باب ما جاء في عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
العبادة في أصل اللغة : الذل ، يقال : طريق معبد أي : مذلل ، وهي في الشرع : غاية الذل لله تعالى ، مع الحب والخضوع له ـ جل وعلا ـ ، والترجمة هنا عامة لكن الأحاديث التي ساقها رحمه الله مختصة بقيام الليل .
261- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ : أَتَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. " أخرجه البخاري 1130 ،ومسلم 2819 ، والمصنف في جامعه 412 " .
- قوله : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه " أي : صلى حتى تورمت قدماه صلى الله عليه وسلم من طول القيام ، فربما قرأ في الركعة الواحدة البقرة والنساء .
- قوله : " فقيل له : أتتكلف هذا " أي : هذا القيام الذي يحصل به التورم للقدمين من طوله ، " وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ، كما في قوله تعالى : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ص 291 .
فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) سورةالفتح .
- قوله : " أفلا أكون عبدا شكورا " أي : أن غفران الله جل وعلا لذنبي المتقدم والمتأخر نعمة من الله تعالى ، ومنة عظيمة تستوجب الشكر للمنعم ، والشكر يكون بالقلب اعترافا بالنعمة ، وباللسان ثناء على المنعم وحمدا له ، وبالجوارح تعبدا لله ـ جل جلاله ـ .
ذكر هنا مقامين : مقام العبودية ، ومقام الشكر ، وقد أتمهما صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه وأحسن حال ، فكان أتقى الناس لله وأعظمهم عبادة , وهو إمام الشاكرين وقدوة الحامدين .
ثم إن قيام العبد حتى تتورم قدماه محمول هذا فيما إذا كان العبد لا يدخله ملل ولا سآمة ، وإلا فلا ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان يقول : خذوا من العمل ما تطيقون ؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها " " البخاري 1970 " .
قال ابن حجر رحمه الله في هذا الحديث : " ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال ؛ لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال ، فكان لا يمل من عبادة ربه ، وإن أضر ذلك ببدنه ، بل صح أنه قال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " كما أخرجه النسائي " برقم 3949 ، 3950 من حديث أنس ، فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه ، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا من الأعمال ما تطيقون ؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا" " فتح الباري 3/ 15 " ص 292
262- حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ جَاءَكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا.
263- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ يُصَلِّي حَتَّى تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ فَيُقَالُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. " أورد رحمه الله هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه من طريقين ، وفي كل منهما كلام يسير ففي الأول محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو صدوق له أوهام ، وفي الثاني عيسى بن عثمان ـ شيخ المصنف ـ وهو صدوق ، ويحيى بن عيسى الرملي ، صدوق يخطئ ، لكن كلا من الإسنادين يتقوى بالآخر ، ويشهد له حديث المغيرة الذي قبله .
264- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ يَقُومُ ، فَإِذَا كَانَ مِنَ السَّحَرِ أَوْتَرَ ، ثُمَّ أَتَى فِرَاشَهُ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ، فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ وَثَبَ ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَفَاضَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. " أخرجه البخاري 1146 ، ومسلم 739 " .
- سؤال الأسود بن يزيد عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبني على رغبة السلف ص 293
- رحمهم الله ـ في معرفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ؛ لأن الاتباع يتوقف على معرفة هديه صلى الله عليه وسلم .
- قولها : " كان ينام أول الليل " يبدأ أول الليل من الغروب ، لكن المراد به هنا ما بعد صلاة العشاء ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها ، ويكره السمر بعدها ، فكان ينام بعد صلاة العشاء مباشرة .
- قولها : " ثم يقوم " ، وهذا القيام يكون بعد منتصف الليل ، كما جاء في الصحيحين " البخاري 1131 ، ومسلم 1159 " من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ؛ وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، ويصوم يوما ويفطر يوما " فجزأ الليل ستة أسداس ؛ الثلاثة الأسداس الأولى ينامها ، ثم يقوم السدسين الرابع والخامس ، ثم ينام السدس الأخير ، وذلك ليكون أنشط لفريضة الفجر .
- قولها : " فإذا كان من السحر أوتر " أي : إذا بقي من الليل سدسه يوتر صلى الله عليه وسلم ، " ثم أتى فراشه ، فإذا كان له حاجة ألم بأهله " أي : إذا كان له حاجة إلى زوجه عاشرها في ذلك الوقت ، " فإذا سمع الأذان وثب " أي : قام بنشاط قوي وبهمة عالية ، والوثوب يكون من الإنسان في الأمر الذي له فيه رغبة شديدة ، " فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء ، وإلا توضأ وخرج إلى الصلاة " .
265- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، ص 294
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ : فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طُولِهَا ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى فَفَتَلَهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ - قَالَ مَعْنٌ : سِتَّ مَرَّاتٍ - ثُمَّ أَوْتَرَ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. " انظر ح 258 "
- قوله : " أنه بات عند ميمونة وهي خالته " حرصا منه ليرى بنفسه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعبادته بالليل .
- قوله : " فاضطجعت في عرض الوسادة " نام مع النبي صلى الله عليه وسلم على وسادته ، فوضع رأسه في عرض الوسادة ، وهو في غاية الحرص أن يشاهد قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ، وجاء في بعض الروايات أنه طلب من خالته ميمونة رضي الله عنها أن توقظه إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتبه ، لكنه تنبه بنفسه وقام .
- قوله : " واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها " أي : أن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه ميمونة اضطجعا في طول الوسادة ، وفي هذا دلالة على كمال تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكمال حرصه ونصحه ؛ فإنه لما علم من هذا الغلام حرصه الشديد ورغبته العظيمة في معرفة هديه ص 295
تركه ينام معه في عرض الوسادة .
- قوله : " فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل " ، وهو بمعنى حديثي عائشة وعبدالله بن عمرو السابقين ، قوله : " فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم على وجهه " لينشط للنهوض والقيام ؛ لأن الإنسان إذا حرك يده على وجهه بعد القيام من النوم أحس بشئ من النشاط ، قوله : " ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران " وهي آيات جامعة لمعان عظيمة من ذكر الله تعالى ، والتفكر في مخلوقاته ، وحسن دعائه ومناجاته ، وما ندب إليه من العبادة ، وما وعد على ذلك من الثواب ، وتوعد على معصيته من العقاب ليكون ذلك تنشيطا له على العبادة ، " ثم قام إلى شن معلق " أي : قام من الفراش بعد قراءة هذه الآيات إلى شن معلق ، والشن هو القربة التي تصنع من الجلد ، والماء الذي يكون في الشن يكون فيه شئ من البرودة ، والماء البارد من أسباب النشاط بعد القيام من النوم .
- قوله : " فتوضأ منها ، فأحسن الوضوء ثم قام يصلي ، قال عبدالله ابن عباس : فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، ثم أخذ بأذني اليمنى ففتلها " أي : حرك اليد على الأذن تحريكا يسيرا ، جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل " ، يستفاد من هذا أن الحركة اليسيرة في الصلاة لا تؤثر على الصلاة .
- قوله : " فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين " أي : صلى اثنتي عشرة ركعة بست تسليمات ، " قال معن : ست مرات ثم ص 296
أوتر " هذا تأكيد من الراوي على العدد ، " ثم اضطجع " هذا الاضطجاع كان السدس الأخير من الليل ليكون أنشط لأداء صلاة الفجر ، " حتى جاءه المؤذن " أي : بلال رضي الله عنه ، " فقام فصلى ركعتين خفيفتين " ، نافلة الفجر التي تكون بعد الأذان ، والسنة فيهما أن تخففا ، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيهما بـ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) " و " قل هو الله أحد " وذلك ليفتتح عمل النهار بالتوحيد بنوعيه ؛ العملي في سورة الكافرون ، والعلمي في سورة الإخلاص ، وكان يفتتح عمل الليل بهاتين السورتين أيضا ، وذلك في الركعتين اللتين يتنفل بهما بعد صلاة المغرب .
266- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. " أخرجه البخاري 1138 ، ومسلم 764 ، والمصنف في جامعه 442 .
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، وسيأتي من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، وسيأتي من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة ، ومن حديثها أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات ، وهو محمول عند أهل العلم على أوقات متعددة ، وأحوال مختلفة ، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة ، وقد ينقص أحيانا لأسباب فلا تعارض ، أو أن من ذكر الإحدى عشرة ركعة لم يعد الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلاته من الليل .
267- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ مَنَعَهُ مِنْ ص297
ذَلِكَ النَّوْمُ ، أَوْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. " أخرجه مسل 746 ، والمصنف في جامعه 445 "
- فيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم لا يوتر في النهار ، فإذا نام عن صلاة الليل صلى في الضحى ثنتي عشرة ركعة ؛ لأنه كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة ، فلا يوتر في النهار ، بل يشفع الوتر .
فيؤخذ من هذا الحديث أن من نام عن حزبه من الليل ؛ فإنه يصليه في النهار ما بين طلوع الشمس إلى الظهر ، وهو وقت صلاة الضحى ، فإذا كان يوتر بسبع يصلى في الضحى بثمان ، وإذا كان يوتر بتسع يصلي في الضحى عشرا ، وإذا كان يوتر بإحدى عشر ركعة يصلي في الضحى ثنتي عشرة ركعة ، فمن فعل ذلك كتبت له كأنما قامها من الليل .
268- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. " أخرجه مسلم 768 "
- فيه أن من أراد الصلاة بالليل بعد قيامه من النوم فليفتتحها بركعتين خفيفتين ؛ فإن ذلك أنشط له في صلاته لما فيهما من طرد النوم والنعاس ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
269- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ ص298
مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَأَرْمُقَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ ، أَوْ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ، طَوِيلَتَيْنِ ، طَوِيلَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دَونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ، ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. " أخرجه مسلم 765 "
- قوله : " لأرمقن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه من الليل ، قوله : " فتوسدت عتبته ، أو فسطاطه " الفسطاط : الخيمة ، وهذا يدل أن رمقه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في الحضر ، وإنما كان في سفر ، وليس معه إحدى زوجاته ، وإلا لم يكن زيد رضي الله عنه ليفعل ذلك .
- قوله :" فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين " هاتان الركعتان هما المشار إليهما في حديث أبي هريرة المتقدم في قوله " إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين " ، قوله :" ثم صلى ركعتين طويلتين ، طويلتين " كررها رضي الله عنه ثلاث مرات مبينا طول الركعتين ، فكان صلى الله عليه وسلم يطول في قيامه كما يأتي بيانه ؛ وهاتان الركعتان هما أطول ما يكون منه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، " ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث ص 299
عشرة ركعة" أي : أن طول الصلاة يبدأ يقل وينقص .
ذكر زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة بدءا بالركعتين الخفيفتين ، وسبق نحوه عن ابن عباس رضي الله عنعما ، والجمع بين هذا وبين قول عائشة رضي الله عنها : " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزيد في رمضان ، ولا غيره على إحدى عشرة ركعة " أن الإحدى عشرة ركعة بدون الركعتين الخفيفتين .
270- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَزِيدَ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعًا لاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا لاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا ، قَالَتْ عَائِشَةُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ ؟ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي. " أخرجه البخاري 1147 " ، ومسلم 738 ، والمصنف في جامعه 439 "
- قولها : " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزيد في رمضان ، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " ، لم تعد في هذا الركعتين الخفيفتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما قيام الليل ؛ لأنها فصلت فقالت : " يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا " فلا يعارض هذا ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة . ص 300
قولها : " يصلى أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن " لكن الأربع الثانية أقصر من الأربع الأول كما يوضح ذلك حديث زيد بن خالد رضي الله عنه حيث قال : " وهما دون اللتين قبلهما " .
- قوله : " إن عيني تنامان ولا ينام قلبي " أي : أنه صلى الله عليه وسلم وإن نامت عيناه فقلبه مستيقظ .
271- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. " أخرجه البخاري 994 ، ومسلم 736 ، والمصنف في جامعه 440 .
272- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، نَحْوَهُ ( ح ) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، نَحْوَهُ.
- هذا الحديث أورده المصنف رحمه الله من ثلاثة طرق ، كلها عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، وهو بمعنى الحديث المتقدم " أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة " .
وقد أشار بعض أهل العلم هنا إلى لطيفة ، وهي أن عدد ركعات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من قيام الليل كان مساويا لعدد ركعات الصلاة المفروضة في النهار ، وهي الظهر والعصر والمغرب .
هذا وقد روى البخاري 990 وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" صلاة الليل مثنى ص 301
مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " ، وهذا مطلق يدل على أن صلاة الليل لا تقيد بعدد ، وإن كان العدد الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل ، لكنه لا يدل على المنع من الزيادة عليه .
- قولها : " فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن " أي : إذا فرغ من صلاة الوتر نام على شقه الأيمن ، قال ابن حجر : " وأما ما رواه مسلم من طريق مالك ، عن الزهري ، عن عروة ؛ عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع بعد الوتر ؛ فقد خالفه أصحاب الزهري " كشعيب عن الزهري ـ مثلا ـ عند البخاري 994 "
عن عروة فذكروا الاضطجاع بعد الفجر ، وهو المحفوظ ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع " .
273- حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ. " أخرجه المصنف في جامعه 443 ، وابن ماجه في السنن 1360 "
274- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، نَحْوَهُ.
- قولها : " كان يصلي من الليل تسع ركعات " هذا لا يعارض ما تقدم عنها وعن غيرها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة ، أو أنه يصلى ثلاث عشرة ركعة كما سبق بيانه .
275- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، ص 302
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ : فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ الْبَقَرَةَ ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعَهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ وَكَانَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : لِرَبِّيَ الْحَمْدُ ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَكَانَ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنَ السُّجُودِ ، وَكَانَ يَقُولُ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي حَتَّى قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ أَوِ الأَنْعَامَ شُعْبَةُ الَّذِي شَكَّ فِي الْمَائِدَةِ وَالأَنْعَامِ. " أخرجه أبوداود 874 ، وفي إسناده مبهم ، وهو الرجل الذي من بني عبس ، وجاء في رواية الطيالسي 1/ 332 للحديث التصريح بأنه صلة بن زفر ، وهو ثقة ؛ فالإسناد صحيح .
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَأَبُو حَمْزَةَ اسْمُهُ : طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَأَبُو حَمْزَةَ الضُّبَعِيُّ اسْمُهُ : نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ.
- قوله : " فلما دخل في الصلاة قال : الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة " هذه كلها أوصاف تعظيم لله تعالى ، فهو صاحب الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ، فالملكوت من الملك والجبروت من الجبر ، فهو تعالى الملك الجبار .
- " ثم قرأ البقرة " كاملة ، " ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه وكان يقول : سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم " هذا فيه طول ركوعه صلى الله عليه وسلم ، وكان يكرر : سبحان ربي العظيم " تعظيما للرب ـ جل جلاله ـ ؛ لأن الركوع محل تعظيم له سبحانه وتعالى ، ص 303
ويطوله حتى يكون نحوا من القيام .
- " ثم رفع رأسه فكان قيامه نحوا من ركوعه " يعني : أن الاعتدال الذي بعد الركوع يقف فيه صلى الله عليه وسلم طويلا نحوا من الركوع ، " وكان يقول : لربي الحمد لربي الحمد " ، ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه وكان يقول : سبحان ربي الأعلى ، سبحان ربي الأعلى " أي : يكرر ذلك في سجوده هذا الطويل .
- " ثم رفع رأسه ، فكان ما بين السجدتين نحوا من السجود ، وكان يقول : رب اغفر لي ، رب اغفر لي حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام " .
- قوله : " شعبة الذي شك في المائدة والأنعام " أي : شك ؛ أي السورتين ذكرت في الحديث .
- " قال أبو عيسى : وأبو حمزة اسمه : طلحة بن يزيد ، وأبو جمرة الضبعي اسمه : نصر بن عمران " أتى بها للتفريق بين أبي حمزة وأبي جمرة .
276- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً. " أخرجه المصنف في جامعه 448 "
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية واحدة من القرآن ليلة ، وجاء في مسند الإمام أحمد " برقم 21328 " من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى ليلة ، فقرأ بآية حتى أصبح ص 304
يركع بها ويسجد بها : " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) سورة المائدة " ، وهذا يدل على مشروعية تكرار الآية الواحدة ، أو السورة الواحدة في الركعة الواحدة ، أو في الليلة الواحدة .
قال ابن القيم رحمه الله : " فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لا شتغلوا بها عن كل ما سواها ، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة , ولو ليلة ، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الايمان ، وذوق حلاوة القرآن ، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح " " مفتاح دار السعادة 1/ 187 "
277- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : صَلَّيْتُ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ قِيلَ لَهُ : وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَدَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " أخرجه البخاري 1135 " ، ومسلم 773 . "
278- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، نَحْوَهُ.
- فيه بيان طول صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ، وهو نظير ما تقدم في أحاديث زيد ابن خالد وعائشة وحذيفة رضي الله عنهم .
ومن فوائد هذا الحديث أن مخالفة الإمام تعد من الأمور السيئة ، ولهذا ص 305
قال رضي الله عنه : " هممت بأمر سوء " .
279- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ، قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ. . " أخرجه البخاري 1119 ، ومسلم 731 ، والمصنف في جامعه 374 "
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس لتعب ، أو مرض ، أو كبر ، أو نحو ذلك فيقرأ صلى الله عليه وسلم وهو جالس ما يقرأه في قيامه ، حتى إذا بقي من الركعة مقدار ثلاثين آية ، أو أربعين ، قام فأكمل القراءة ، ثم ركع وسجد .
280- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَطَوُّعِهِ ، فَقَالَتْ : كَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمًا ، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِدًا ، فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ جَالِسٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ جَالِسٌ . " أخرجه مسلم 730 ، والمصنف في جامعه 375 "
- جوابها هنا يخالف الرواية المتقدمة عنها ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه " فتح الباري " 8/ 585 : " وقد روى مسلم من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلى الله عليه وسلم ، وفيه : " وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم ، وإذا قرأ قاعدا ركع ص 306
وسجد وهو قاعد ، وهذا محمول على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جمعا بين الحديثين " .
وصلاة الرجل القاعد على النصف من صلاة القائم ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مستثنى من ذلك ؛ فإن صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما ؛ لما رواه مسلم في صحيحه برقم 735 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " قال : فأتيته فوجدته يصلي جالسا ، فوضعت يدي على رأسه فقال : ما لك يا عبد الله بن عمرو ؟ قلت : حدثت يا رسول الله أنك قلت :" صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة " ، وأنت تصلى قاعدا ، قال : " أجل ولكني لست كأحد منكم " .
281- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ ، عَنْ حَفْصَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ وَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. " أخرجه مسلم 733 ، والمصنف في جامعه 373 "
- قولها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته قاعدا " ، المراد بالسبحة هنا النافلة ، فالنافلة تسمى سبحة لما فيها من التسبيح فهو من باب تسمية الشئ ببعض أجزائه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نافلته قاعدا ، وذلك في آخر حياته لم ثقل . ص 307
- قولها : " ويقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها " بسبب الترتيل والترسل والتدبر ، فإذا مر بآية فيها عذاب تعوذ بالله ـ تبارك وتعالى ـ وإذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بآية فيهارحمة سأل الله من رحمته ، فتكون بذلك أطول من التي أطول منها .
282- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلاَتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ.
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته وهو جالس ، وذلك عند قرب وفاته ؛ لأنه كبر وثقل .
283- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ. " أخرجه البخاري 937 ، ومسلم 729 ، والمصنف في جامعه 425 " .
- هذا في السنن الرواتب ؛ والأحاديث التي قبله في نافلته صلى الله عليه وسلم في الليل ، وسيأتي عن ابن عمر أيضا ذكر ركعتين قبل الفجر ، فهذه عشر ركعات تسمى الرواتب ، وهي سنة مؤكدة ، وأجرها عند الله عظيم .
وسيأتي من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا ، فمن أهل 308
العلم من حمل ذلك على حالين فمرة يصلي أربعا كما روت عائشة ، ومرة يصلي ثنتين كما روى ابن عمر رضي الله عنها .
284- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَيُنَادِي الْمُنَادِي " وهو جزء من الحديث الذي قبله " قَالَ أَيُّوبُ : وَأُرَاهُ قَالَ : خَفِيفَتَيْنِ.
- فيه ذكر نافلة النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ، وهي تتمة العشر الركعات ، فابن عمر رضي الله عنهما رأي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثماني ركعات ، وأخبرته أخته حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم براتبة الفجر ؛ لأنه كان يصليها في بيته فأصبحت عشرا .
وهاتان الركعتان يصليهما المسلم بعد طلوع الفجر وبعد نداء المنادي للصلاة ، والسنة فيهما أن تصليا خفيفتين فلا يطال فيهما ، والسنة فيهما أيضا أن يقرأ في الأولى بـ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) " وفي الثانية بـ " قل هو الله أحد " .
وقد جاء في حديث أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما في جامع الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه قال : " ابن آدم ! اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره " ح 475 ، قال ابن القيم في زاد المعاد 1/ 348 : " سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها " . ص 309
والذي يكرمه الله تعالى فيؤدي في أول النهار صلاة الفجر ، ويصلي قبلها النافلة يكفى النهار كله ، وهذا ثواب عظيم لا ينبغي لعاقل أن يفوته على نفسه .
285- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ : رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِرَكْعَتَيِ الْغَدَاةِ ، وَلَمْ أَكُنْ أَرَاهُمَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 283
- حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه الجمع بين ما تقدم في الحديثين السابقين .
- وقوله : " ولم أكن أراهما من النبي صلى الله عليه وسلم " أي : لأنه كان يصليهما في البيت .
286- حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : سَأَلتُ عَائِشَةَ ، عَنْ صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ. 280
- في هذه الرواية ذكرت عشر ركعات ، وجاءت رواية أخرى في " صحيح مسلم 730 بلفظ : " كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم ص 310
يدخل فيصلي ركعتين " ، وهذا هو المحفوظ عن عائشة رضي الله عنها فيكون المجموع ثنتي عشرة ركعة ، وأما صلاة ركعتين قبل الظهر ؛ فقد ثبتت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم ، وكل منهما أخبر بما رأى ، فيحمل على حالين مختلفين ، فأحيانا يصلي ركعتين وأخرى يصلي أربعا ، أو يحمل على مكانين مختلفين ؛ فإن صلاها في البيت جعلها أربعا ، وإن صلاها في المسجد جعلعا ركعتين .
وجاء في صحيح مسلم 728 من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتى عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة " .
وهذا يوافق حديث عائشة رضي الله عنها برواية مسلم ، وينبغي للمسلم أن يحرص على هؤلاء الركعات لينال هذا الأجر العظيم .
287- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ ضَمْرَةَ يَقُولُ : سَأَلْنَا عَلِيًّا ، عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّهَارِ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ لاَ تُطِيقُونَ ذَلِكَ قَالَ : فَقُلْنَا : مِنْ أَطَاقَ ذَلِكَ مِنَّا صَلَّى ، فَقَالَ : كَانَ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الظُّهْرِ صَلَّى أَرْبَعًا ، وَيُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا ، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. " أخرجه المصنف في جامعه 599 " ص311
- قوله : " سألنا عليا عن صلاة رسول الله من النهار " ، هذا السؤال ونظيره يدل على حرص السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
- قوله : " إنكم لا تطيقون ذلك " من حيث المواظبة والخشوع ، وتمام الصلاة وكمالها ، وكمال المحافظة عليها والعناية بها .
- قوله : " فقلنا : من أطاق ذلك منا صلى " أي : أن الرغبة في معرفة ذلك قائمة ، فمن أطاق ذلك منا صلى ، وفاز بأجرها وثوابها .
- قوله : " كان إذا كانت الشمس من ههنا " يشير إلى جهة المشرق ، " كهيئتها من ههنا " أي : من جهة المغرب ، " عند العصر " أي : إذا كانت هيئة الشمس ، وهي في المشرق كهيئتها لما تكون في جهة المغرب وقت العصر ، يقصد بهذا وقت الضحى ، " صلى ركعتين " أي : صلاة الضحى .
- قوله : " وإذا كانت الشمس من ههنا " أي : من الشرق ، " كهيئتها من ههنا عند الظهر " أي : قبل الزوال ، " صلى أربعا " ، والمراد بهذا ـ كما ذكره بعض الشراح ـ صلاة الأوابين التي تصلى حين ترمض الفصال ، وهذا كله في الضحى .
- قوله : " ويصلي قبل الظهر أربعا " أي : يصلي بعد آذان الظهر ، وقبل الإقامة أربعا ، وهذه راتبة الظهر ـ وهو موافق لما جاء في حديثي عائشة وأم حبيبة السابقين .
- قوله : " وبعدها ركعتين " أي : يصلي بعد الظهر ركعتين ، قوله : " وقبل العصر أربعا " أي : ويصلي قبل العصر أربعا ، وهذه ليست من الرواتب ، وقد ورد فيها فضل ص 312
عظيم ، فيما رواه أحمد " المسند 5980 " وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا " .
- قوله : " يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين " ، يحتمل أن المراد بذلك ما جاء في التشهد : " السلام عليك أيها النبي ! ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين " ؛ فهذا يشمل الملائكة والصالحين من عباد الله .
ويحتمل أن المراد بالتسليم : ما يحصل به تحليل الصلاة ؛ لأن تحريمها بالتكبير وتحليلها بالتسليم ، أي : أنه يسلم عن يمينه وعن شماله ، وهذا هو الأوضح والأقرب ، ويدل عليه ظاهر السياق ؛ لقوله : " يفصل بين كل ركعتين بالتسليم " , ولقوله في الحديث السابق : " صلاة الليل مثنى مثنى " ، وفي رواية : " والنهار " يعني : أنه يفصل بين كل ركعتين بالتسليم . ص 313