باب ما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه
عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب لبيان ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم قبل البدء بأكل الطعام ، وما كان يقوله بعد الطعام .
28- بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَمَا يَفْرُغُ مِنْهُ.
188- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ جَنْدَلٍ الْيَافِعِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَرَّبَ طَعَامًا ، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ ، أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا ، وَلاَ أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا ، ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ. أخرجه أحمد في المسند 23522، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وهو سيئ الحفظ ، وفيه أيضا راشد بن جندل اليافعي ، قال عنه الحافظ في التقريب 1/ 204 : " ثقة " لكن الأقرب ـ والله أعلم بمراجعة ترجمته في تهذيب الكمال و تهذيب التهذيب ـ أنه مجهول ، وشيخه حبيب ابن أوس كذلك مجهول ؛ فالإسناد ضعيف ، لكن الحديث صحيح المعنى للشواهد التي تقدم بعضها ، وسيأتي كذلك شئ منها " ص 215
- قوله : " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب ونحوه المشعر بالتبعية يدل على أدب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معه .
- قوله : " فقرب إليه طعام " أي : قدم للنبي صلى الله عليه وسلم وأدني منه ، وهدا أجمل وأحسن ما يكون في الكرم ، وهو أن يقرب الطعام ويدنى من الضيف .
- قوله : " فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه أول ما أكلنا ، ولا أقل بركة في آخره " ، لاحظ أبوأيوب رضي الله عنه هذه الملاحظة في هذا الطعام الذي أكلوه , وهو أنه كان في أوله بركة ، ثم قلت في آخره ، وأحسوا أن لهذا سببا ، " فقلنا : يا رسول الله ! كيف هذا ؟ " أي : كيف كانت البركة في أوله عظيمة ، ثم قلت في آخره ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا ، ثم قعد من أكل ولم يسم الله تعالى ، فأكل معه الشيطان " أي : أنهم ذكروا الله تعالى كلهم في بداية الطعام فلم يجد الشيطان سبيلا ليستحله ، إذ لا سبيل له إلى طعام ذكر اسم الله عليه ، ثم لما جلس معهم من لم يذكر اسم الله فتح المجال للشيطان ليأكل معه فاستحل الطعام ؛ قال : " فأكل معه الشيطان " ولم يقل معهم ؛ لأنهم ذكروا اسم الله .
ولهذا جاء في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم 2018 وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال : الشيطان أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " .
وهذا مما يؤكد أن يحرص المسلم على ذكر اسم الله ـ تبارك وتعالى ـ على طعامه ص 216
وعلى شرابه ، وعند دخوله لبيته حتى لا يشاركه الشيطان في شئ من ذلك ، وقد يأتي الشيطان بشخص يلهيه ليضع يده في الطعام دون ذكر اسم الله لتحصل له المشاركة .
فقد ثبت في صحيح مسلم 2017 عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : " كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده ، وإنا حضرنا معه مرة طعاما ، فجاءت جارية كأنها تدفع ، فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها " .
ولهذا يجب على الإنسان أن يبين لأولاده عداوة الشيطان لبني آدم ليتخذوه عدوا ، فلا يشاركهم في بيوتهم ، ولا في طعامهم وشرابهم ، فعدم التسمية على الطعام والشراب من أسباب محق البركة ، ومن أسباب مشاركة الشيطان للإنسان في طعامه وشرابه .
189- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوائِيُّ ، عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ص217
طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ. " وفي إسناده أم كلثوم الليثية ،وهي مجهولة ، لكن المتن صحيح بشواهده ؛ انظر ح 193 "
من أكل فحصل له في أول الطعام غفلة ونسيان فلم يسم ، ثم تذكر في أثناء طعامه نسيانه التسمية في أوله ؛ فعليه في هذه الحال أن يقول : " باسم الله أوله وآخره " ، فإن قاله تحققت له البركة بإذن الله ـ تبارك وتعالى ـ ، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته .
190- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ فَقَالَ : ادْنُ يَا بُنَيَّ فَسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. " أخرجه المصنف في جامعه 1857 ، وابن ماجه في السنن 3265 "
- قد سبق إيراد هذا الحديث من وجه آخر ، وأتى به في هذه الترجمة من أجل التسمية .
والنبي صلى الله عليه وسلم جمع في هذا الحديث بين ثلاثة آداب للطعام ، وهي : التسمية في أول الطعام ، والأكل باليمين ، والأكل مما يلي الآكل .
والنبي صلى الله عليه وسلم جمع في هذا الحديث بين ثلاثة آداب للطعام ، وهي : التسمية في أول الطعام ، والأكل باليمين ، والأكل مما يلي الآكل .
- وقوله صلى الله عليه وسلم : " ادن يابني " فيه بيان للطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته ؛ فإنك إذا قلت لمن ليس من أبنائك " يا بني " شعر بلطفك معه ، ورحمتك به .
وهو يدل على جواز أن يخاطب غير أبنائه بهذا الخطاب ، فيقول للطفل الصغير : ص218
يا بني ! من باب التلطف والمؤانسة ، ولهذا عقد الإمام البخاري رحمه الله في كتابه " الأدب المفرد " ترجمة بعنوان : " قول الرجل للصغير : يا بني ! " 1/ 84 .
191- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رِيَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ رِيَاحِ بْنِ عَبِيدَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ. " أخرجه أبو داود في السنن 3850 ، والمصنف في جامعه من طريق آخر 3457 ، وفي إسناده إسماعيل بن رباح مجهول . "
- قوله : " الحمد لله الذي أطعمنا ، وسقانا ، وجعلنا مسلمين " أي : الحمد لله الذي من علينا بهذا الطعام ، وهذا الشراب ، وجعلنا من عباده المسلمين ، فهذه نعمة عظيمة أن يكون العبد مسلما من أهل هذا الدين العظيم ، وعنده طعام يغذيه ، وشراب يرويه .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ للحمد عديدة يقولها المسلم بعد الفراغ من الأكل ، ولو قال بعد الأكل " الحمد لله " ؛ فإنه يكفيه كما يأتي بيانه ، لكن الأفضل أن يحفظ ما تيسر من الصيغ الواردة وينوع بينها ؛ فمرة يأتي بهذه ، وأخرى بذاك .
192- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ ص 219
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مُودَعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا. " أخرجه البخاري 5458 ، والمصنف في جامعه 3456 "
- قوله : " إذا رفعت المائدة من بين يديه " أي : إذا فرغ من الطعام وبدؤوا برفع المائدة من بين يديه يحمد الله تعالى ويستفاد منه أن المائدة ترفع عند الفراغ منها ولا تترك .
- قوله : " الحمد لله حمدا كثيرا طيبا " أي : الحمد لله حمدا موصوفا بالكثرة والطيب ، والطيب هنا يشعر بنزاهة هذا الحمد ونقائه ؛ فهو حمد منزه عن الرياء والسمعة ، فلا يراد به إلا الله تعالى والتقرب إليه ، قوله : " مباركا فيه " البركة تعني : ثبات الخير الموجود ، وزيادته ونماءه .
- قوله : " غير مودع ، ولا مستغنى عنه ربنا " أي : غير مودع هذا الحمد ، ولا مستغنى عنه .
193- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوائِيِّ ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ. " أخرجه المصنف في جامعه 1858 ، وفي إسناده أم كلثوم الليثية مجهولة ، لكن له شاهد عند أبي يعلى في المسند 7153 بلفظ : " أما إنه لو قال : باسم الله ، لوسعكم " . ص 220
قولها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام في ستة من أصحابه " أي : اشتركوا معه في تناول الطعام ، " فجاء أعرابي فأكله بلقمتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو سمى لكفاكم " ؛ لأن عدم التسمية على الطعام من أسباب ذهاب بركته ، فالقليل من الطعام مع التسمية يبارك للعبد فيه ، والكثير منه مع ترك التسمية سبب لمحق البركة .
194- حَدَّثَنَا هَنَّادٌ ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. " أخرجه مسلم 2734 ، والمصنف في جامعه 1816 .
- الأكلة : المرة الواحدة من الأكل ، كالغداء أو العشاء ؛ وفيه : استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب .
وقد أخره المصنف إلى نهاية الترجمة ؛ لأن فيه ثواب الحمد على الطعام والشراب ، وهو الفوز بمرضاة الله تعالى ، وقد جاء في صفة التحميد صيغ متنوعة تقدم بعضها ، ولو اقتصر على " الحمد لله " حصل أصل السنة . ص 221