باب ما جاء في خَلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة لبيان ما يتعلق بصفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية بفتح الخاء من حيث الطول واللون والشعر وغير ذلك ؛ وأما صفاته الخُلقية وهي كثيرة فسيأتي ذكرها إن شاء الله في تراجم لاحقة .
وقد أكرم الله نبينا صلى الله عليه وسلم بأكمل وأجمل الصفات الخلقية ، كما أنه أكرمه صلى الله عليه وسلم بأفضل الصفات الخُلقية ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " الجواب الصحيح 5/ 438 " وهو يتحدث عن آيات نبوته صلى الله عليه وسلم : " وكان خَلقه صلى الله عليه وسلم وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله ، فأكرمه بخَلق حسن وصورة جميلة واجتمعت في المحاسن .
قال المصنف رحمه الله :
1- حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ ، وَلاَ بِالآدَمِ ، وَلاَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، ص 19
وَلاَ بِالسَّبْطِ ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. " أخرجه البخاري 5900 ومسلم 2347 والمصنف في جامعه 3623 . "
- قوله رضي الله عنه : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ " بيان لطوله صلى الله عليه وسلم وأنه ربعة ؛ أي متوسط بين " الطويل البائن " المفرط في الطول وبين " القصير " الذي اجتمع جسمه قصرا ، وكان صلى الله عليه وسلم إلى الطول أقرب منه إلى القصر كما جاء ذلك مصرحا به في بعض الروايات " كما في الأدب المفرد 1155 ، ومسند البزار 7789 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " ولذا وصفه أنس رضي الله عنه بأنه :
" لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ " ولم يذكر وصفا مقابلا في القصر ؛ لأنه على الصلاة والسلام إلى الطول أقرب .
- وقوله : " البائن " قيل : هو من بان ، يبين ، بيانا إذا ظهر ؛ وقيل : من بان ، يبون ، بونا إذا بعُد ، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج بطوله عن حد الاعتدال .
- وقوله : " ولا بالأبيض الأمهق ، ولا بالآدم " بيان للونه صلى الله عليه وسلم ، يقال : أبيض أمهق ، إذا كان بياضه بياضا خالصا لا يخالطه سمرة ولا حمرة ولا غير ذلك ، و " الآدم " هو الأسمر ، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ليس بالشديد البياض ، ولا هو أيضا بالأسمر ، وإنما لونه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في بعض الأحاديث بياض مشرب بحمرة .
- وقوله : " ولا بالجعد القطط ، ولا بالسبط " بيان لصفة شعره صلى الله عليه وسلم ، وأنه وسط ليس " بالجعد العطط " وهو شديد التثني والجعودة المتداخل بعضه في بعض ، المتلوي بعضه على بعض لجعودته ، " ولا بالسبط " وهو الشعر ص 20
المسترسل ، وإنما هو وسط بين ذلك .
- وقوله : " بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة " أي أنه صلى الله عليه وسلم نبئ عندما أتم من العمر أربعين سنة
- وقوله : " فأقام بمكة عشر سنين " بعد البعثة ، وقد جاء في بعض الروايات " ثلاث عشرة سنة " وهي المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ، فهو بعث على الأربعين ، وهاجر بعد أن أكمل ثلاث عشرة سنة نبيا ، " ويحمل قول من قال : عشر سنين ، على مدة إظهار النبوة ؛ فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين " صفة الصفوة لابن الجوزي 1/ 116 " ، وأوضح من هذا أن يحمل قول من قال عشر سنين على ما كان بعد نزول " المدثر " وأمره بالإنذار ، ومن قال ثلاث عشرة سنة أضاف إليها الثلاث السنوات التي كانت قبل الأمر بالإنذار ، أو أن الراوي ألغى الكسر .
- وقوله : " وبالمدينة عشر سنين " أي أقام بعد الهجرة بالمدينة عشر سنين .
- وقوله : " وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة " الثابت أن الله تعالى توفاه على رأس ثلاث وستين سنة فتحمل هذه الرواية على إلغاء الكسر .
- وقوله " وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء " أي أن الشيب في لحيته صلى الله عليه وسلم وفي رأسه كان قليلا بحيث لا يصل إلى عشرين شعرة .
2- حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ ، حَسَنَ الْجِسْمِ ، وَكَانَ شَعْرُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلاَ سَبْطٍ أَسْمَرَ اللَّوْنِ ، إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ. " أخرجه المصنف في " جامعه " 1754 وقال : حسن صحيح غريب " ص 21
- قوله رضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة " ، وسيأتي في بعض الروايات " مربوعا " وهما بمعنى واحد ، والمراد به المتوسط في القامة ، وقد وضحه بقوله : " ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير " أي : وسط بينهما .
- وقوله : " حسن الجسم " أي أن الله تعالى من عليه بجسم معتدل في الخلق متناسق الأعضاء ، فجسمه صلى الله عليه وسلم حسن وأعضاؤه متناسقة ، ومر قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكان خَلقه صلى الله عليه وسلم وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله "
- وقوله : " وكان شعره ليس بجعد ولا سبط " أي أن شعره صلى الله عليه وسلم وسط ، وقد مرت هذه الجملة في الحديث الذي قبله .
- وقوله : " أسمر اللون " وقد مر في حديث أنس السابق أنه صلى الله عليه وسلم " لا بالأبيض الأمهق ، ولا بالآدم " والآدم : الأسمر ، وهنا وصفه بأنه " أسمر اللون " ، ولهذا يرى بعض أهل العلم عدم ثبوت هذه اللفظة ، فقد تفرد بها حميد عن أنس ، وخالفه غيره من الرواة ، فقالوا : " أزهر اللون " بدل " أسمر اللون . ومن أهل العلم من حمل ذلك على أن المراد بالسمرة : الحمرة الخفيفة التي أشرب بها بياضه صلى الله عليه وسلم فكان بياضا مشربا بشئ من الحمرة .
- وقوله : " إذا مشى يتكفأ " أي : أنه إذا مشى صلى الله عليه وسلم كأنما ينزل من منحدر ، وسيأتي في وصف علي رضي الله عنه له أنه : " إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب " . فهذه ص 22
صفة مشيته صلى الله عليه وسلم .
3- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ الْيُسْرَى ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. "أخرجه البخاري 3551 ، ومسلم 2337 .
- قوله رضي الله عنه : " رجلا مربوعا " هو نظير قول أنس رضي الله عنه في الحديث المتقدم : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة " والربعة والمربوع هو متوسط القامة فليس بالطويل البائن ولا بالقصير ، وإنما هو وسط ، وهذا كله على وجه التقريب وإلا فهناك نصوص دلت على أنه صلى الله عليه وسلم إلى الطول أقرب منه إلى القصر .
- وقوله : " بعيد ما بين المنكبين " ، " بعيد تروى مكبرة ومصغرة ؛ " بَعيد " و " بُعيد " ، والمنكب هو مجمع العضد والكتف ، فقوله : " ما بين المنكبين " أي الأيمن والأيسر ، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان عريض أعلى الظهر .
- وقوله : " عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه " ؛ الشعر بحسب طوله له ثلاث صفات : الجمة ، والوفرة ، واللمة بكسر اللام ، وكلها تأتي في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أهل اللغة ـ على خلاف ذلك ـ :
الوفرة : ما نزل إلى شحمة الأذن ، وشحمة الأذن هو الجزء اللين المتدلي من الأذن الذي يوضع فيه القرط بالنسبة للمرأة . ص23
واللمة : ما جاوز شحمة الأذن سواء وصل إلى المنكبين أو لا .
والجمة : ما ضرب المنكبين .
فقوله : " عظيم الجمة إلى شحمة أذنية " المراد بالجمة هنا : الشعر ؛ أي : عظيم الشعر إلى شحمة الأذن ، وإلا فإن الشعر الذي ينزل إلى شحمة الأذن يقال له : الوفرة .
- وقوله : " عليه حلة حمراء " الحلة لا تطلق على اللباس إلا إذا كان مكونا من قطعتين مثل الإزار والرداء ، وقيل في سبب تسميته بذلك : أن أحدهما حل على الآخر . وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس المياسر الحمر ، فعن البراء ابن عازب رضي الله عنهما قال : " نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر " أخرجه البخاري 5838 ومسلم 2066 " . وقال بعض أهل العلم في التوفيق بين لبسه صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء وبين النهي عن المياثر الحمر : بأن النهي إنما هو عن الأحمر الخالص ، أما إذا لم يكن أحمر خالصا بل خالطه لون آخر مثل البياض أو السواد أو نحو ذلك فهذا لا ينهى عنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء .
- وقوله : " ما رأيت شيئا قط أحسن منه " لم يقل رضي الله عنه : ما رأيت إنسانا ؛ بل قال : " ما رأيت شيئا " ليعم جميع الأشياء التي رآها بما في ذلك القمر والشمس وغيرهما من الأشياء الجميلة ، وقوله : " قط " أي دائما وباستمرار في جميع الأشياء التي رأيتها وشاهدتها ، وهذا فيه كمال خلقته وجمال صورته وبهاء طلعته صلى الله عليه وسلم وما حباه الله تعالى به من الحسن والجمال ، فهذا البراء رضي الله عنه يقول : " ما رأيت شيئا قط أحسن منه " وسيأتي في ص 24
كلام علي رضي الله عنه : " لم أر قبله ولا بعده مثله " فآتاه الله تعالى حسنا وجمالا وبهاء فاق ما يرى من الأشياء الجميلة .
4- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ وَلاَ بِالطَّوِيلِ. " أخرجه البخاري 3549 . ومسلم 2337 , والمصنف في جامعه 1724 . " هذه طريق أخرى لحديث البراء .
- قوله : " ما رأيت من ذي لمة " اللمة من الشعر هي ما جاوز شحمة الأذن سواء وصل إلى المنكبين أو لا ، والمراد بها هنا الشعر ، والمعنى : ما رأيت من ذي شعر " في حلة حمراء أحسن من رسول الله " . فالنبي صلى الله عليه وسلم أحسن من كل من رأى على هذه الصفة .
- وقوله : " له شعر يضرب منكبيه " أي شعره يصل إلى المنكبين ، فهو نازل وواصل إلى المنكبين يضربهما .
- وقوله : " بعيد ما بين المنكبين " وقد سبق أنه صلى الله عليه وسلم عريض أعلى الظهر .
- وقوله : " لم يكن بالقصير ولا بالطويل " أي كان صلى الله عليه وسلم مقصدا بين الطول والقصر ، فليس بالطويل البائن ولا بالقصير وإنما كان بين ذلك ؛ لكنه إلى الطول أقرب . ص25
5- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، ضَخْمُ الرَّأْسِ ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " أخرجه المصنف في جامعه 3637 ، وقال هذا حديث حسن صحيح ،وفي اسناده المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، صدوق اختلط قبل موته ، وعثمان ابن مسل في لين "
6- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.
- قوله : " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير " أي متوسط القامة ، وهذه صفة اشترك في ذكرها كل من وصف النبي صلى الله عليه وسلم .
- وقوله : " ششن الكفين والقدمين " أي غليظهما ، وهذا الغلظ لا يقتضي الخشونة ، فقد وصفه أنس رضي الله عنه ـ كما سيأتي ـ بقوله : " ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكانت يده صلى الله عليه وسلم ألين من الحرير .
- وقوله : " ضخم الرأس " ضخامة الرأس عظمه وكبره بعض الشئ " .
- وقوله : " ضخم الكراديس " الكراديس ، والمشاش أطراف ص 26
العظام ، وقيل : " الكراديس " مجمع العظام أي المفاصل التي تلتقي فيها العظام . وهذه الأوصاف " ششن الكفين والقدمين ، ضخم الرأس ، ضخم الكراديس " ونحوها ـ مما سيأتي ـ كلها تدل على قوة بنيته صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى قد أعطاه جسما قويا .
- وقوله : " طويل المسربة " هي الشعر الذي يمتد من الصدر إلى السرة ، فكان صلى الله عليه وسلم له شعر ممتد من صدره إلى سرته .
-وقوله : " إذا مشى تكفأ تكفؤا " مر هذا في حديث أنس .
- وقوله : " كأنما ينحط من صبب " الصبب هو ما انحط ونزل من الأرض . والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم إذا مشى فكأنما ينزل أو يمشي في منحدر من الأرض .
- وقوله : " لم أر قبله ولا بعده مثله " وفي هذا ـ كما سبق ـ كمال خلقته وجمال صورته وبهاء طلعته صلى الله عليه وسلم وما حباه الله تعالى من الحسن والجمال .
7- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَلِيمَةَ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ ، لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، وَلاَ بِالسَّبْطِ ، كَانَ جَعْدًا رَجِلاً ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلاَ بِالْمُكَلْثَمِ ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشَرَبٌ ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا ، ص 27
وأصدق النَّاسِ لَهْجَةً ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً ، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ ، يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. "في أسناده مقال ؛ عمر بن عبد الله مولى غفرة ضعيف ، وفيه انقطاع بين إبراهيم بن محمد وبن على رضي الله عنه ، وبهذا أعله المصنف رحمه الله في كتابه " الجامع 3638 حيث رواه فيه ثم قال عقبه : " وهذا حديث ليس إسناده بمتصل " وما جاء في بعض نسخ " جامع " الترمذي أنه قال : " هذا حديث حسن غريب ليس إسناده بمتصل " ؛ والذين نقلوا هذه الجملة عن الإمام الترمذي مثل الحافظ العراقي وغيره نقلوها دون هذه الزيادة ؛ فالحديث ضعيف الإسناد ؛ لكن ألفاظه تشهد لجلها شواهد ، تقدم بعضها وستأتي أخرى . "
قَالَ أَبُو عِيسَى : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُمَّغِطُ : الذَّاهِبُ طُولاً . وَقَالَ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ فِي كَلاَمِهِ : تَمَغَّطَ فِي نَشَّابَتِهِ أَيْ مَدَّهَا مَدًّا شَدِيدًا . وَالْمُتَرَدِّدُ : الدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قِصَرًا . وَأَمَّا الْقَطَطُ : فَالشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ . وَالرَّجُلُ الَّذِي فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ : أَيْ تَثَنٍّ قَلِيلٌ . وَأَمَّا الْمُطَهَّمُ فَالْبَادِنُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ . وَالْمُكَلْثَمُ : الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ . وَالْمُشَرَبُ : الَّذِي فِي بَيَاضِهِ حُمْرَةٌ . وَالأَدْعَجُ : الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ . وَالأَهْدَبُ : الطَّوِيلُ الأَشْفَارِ. وَالْكَتَدُ : مُجْتَمِعُ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ . وَالْمَسْرُبَةُ : هُوَ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ. وَالشَّثْنُ : الْغَلِيظُ الأَصَابِعِ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ . وَالتَّقَلُّعُ : أَنْ يَمْشِيَ بِقُوَّةٍ. وَالصَّبَبُ الْحُدُورُ ، نَقُولُ : انْحَدَرْنَا فِي صَبُوبٍ وَصَبَبٍ . ص 28
وَقَوْلُهُ : جَلِيلُ الْمُشَاشِ يُرِيدُ رُءُوسَ الْمَنَاكِبِ. وَالْعِشْرَةُ : الصُّحْبَةُ ، وَالْعَشِيرُ : الصَّاحِبُ. وَالْبَدِيهَةُ : الْمُفَاجَأَةُ ، يُقَالُ : بَدَهْتُهُ بِأَمْرٍ أَيْ فَجَأْتُهُ.
- قوله : " لم يكن رسول الله بالطويل الممغط " أي شديد الطول ، وقد مر في حديث أنس المتقدم : " ليس بالطويل البائن " وهو بمعنى الطويل الممغط ، والانمغاط هو بمعنى البائن الذي امتد في الطول .
- وقوله : " ولا بالقصير المتردد " يعني شديد القصر .
- وقوله : " كان ربعة " أي كان وسطا " من القوم " أي من الرجال ، فكان صلى الله عليه وسلم وسطا ، لا بالطويل البائن ولا بالقصير .
- وقوله : " لم يكن بالجعد القطط ، ولا بالسبط " وقد مر أن الجعودة هي التثني في الشعر والتعطف فيه ودخول بعضه في بعض ، فلم يكن صلى الله عليه وسلم بالجعد الذي في شعره جعودة شديدة ، ولا بالسبط الذي شعره مسترسل ، وإنما كان وسطا بين ذلك .
- وقوله : " كان جعدا رجٍلا " هذا توضيح للبينية التي بين الجعد القطط وبين السبط ، فكان شعره صلى الله عليه وسلم وسطا بين ذلك .
- وقوله : " ولم يكن بالمطهم " والمطهم السمين الممتلئ ، فلم يكن صلى الله عليه وسلم جسيما سمينا ممتلئا مترهلا .
- وقوله : " ولا بالمكلثم " المكلثم المرادبه مستدير الوجه الاستدارة التامة ، فلم يكن وجهه صلى الله عليه وسلم مستديرا تمام الاستدارة ، وإنما كان بين الاستدارة والإسالة ، فلذلك قال : " وكان في وجهه تدوير " أي فيه تدوير مع شئ من الإسالة .
- وقوله : " أبيض مشرب " أي ليس بياضه البياض الأمهل الخالص ، أو ص 29
البياض الصرف ، وإنما هو بياض مشرب بحمرة ، وهذا معنى وصفه ـ كما سيأتي ـ أنه " أزهر اللون " أي أنه أبيض بياضا مشربا بحمرة .
- وقوله : " أدعج العينين " أي أسود ، وقوله : " أهدب الأشفار " الأشفار : الشعر الذي ينبت في جفون العين ، فكان صلى الله عليه وسلم طويل الأشفار .
- وقوله : " جليل المشاش والكتد " المشاش هي رؤوس العظام ؛ وهي بمعنى ما تقدم في قوله : " ضخم الكراديس " ، و" الكتد " : مجمع الكتفين ويقال له : الكاهل ، فكان صلى الله عليه وسلم " جليل الكتد " أي عظيم الكاهل ، وهو بمعنى ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم " بعيد ما بين المنكبين " .
- وقوله : " أجرد " أي غير أشعر ، والأشعر هو كثير شعر البدن ، وذكر في وصفه أن في مواضع من جسمه شعرا ، ومن ذلك قوله : " ذو مسربة " والمسربة هي الشعر الذي ينزل من الصدر إلى السرة ، وقوله : " ششن الكفين والقدمين " سبق بيان معناه .
- وقوله : " إذا مشى تقلع " أي يمشي مشيا قويا ، ليس كمشي الذي ينهض رجله من الأرض بتثاقل ، وقوله : " كأنما ينحط في صبب " والصبب : ما انحدر ونزل من الأرض .
- وقوله : " وإذا التفت التفت معا " أي إذا التفت إلى الوراء استدار بجسمه كاملا ، وهذا من وقاره صلى الله عليه وسلم فلا يدير الرأس فقط وجسمه إلى الأمام ، وإنما يستدير بكامل جسمه ، أما النظر اليسير إلى اليمين أو إلى اليسار فغير داخل هنا ص 30
- وقوله : " بين كتفيه خاتم النبوة " في ظهره صلى الله عليه وسلم بين كتفيه خاتم النبوة وهو قطعة من اللحم بارزة ، وسـتأتي أحاديث عديدة في ترجمة خاصة به .
- وقوله : " وهو خاتم النبيين " أي آخرهم فلا نبي بعده كما قال الله تعالى : " مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) سورة الأحزاب .
- وقوله : " أجود الناس صدرا " وهذا فيه رحابة صدره صلى الله عليه وسلم وسعته ؛ فإن جوده وسخاءه وكرمه وبذله عن سخاء صدر ورحابة نفس ؛ لا عن تصنع أو تكلف أو نحو ذلك .
- وقوله : " وأصدق الناس لهجة " أي أصدقهم حديثا صلى الله عليه وسلم ، وهو منذ نشأته عرف في قومه بالصادق الأمين .
- وقوله : " وألينهم عريكة " المراد بالعريكة الطبيعة والسجية ، فكان لين السجايا والطباع ، فلم يكن غليظا ولا فظا ، وإنما كان لينا سمحا رفيقا متواضعا سهلا صلى الله عليه وسلم .
- وقوله : " وأكرمهم عشرة " أي كريم المعاشرة والمصاحبة والمرافقة ، فهو يعامل من يعاشر ومن يخالط أحسن معاملة صلى الله عليه وسلم .
- وقوله : " من رآه بديهة هابه " يعني من رآه فجأة أو لأول مرة يهابه لأنه صلى الله عليه وسلم مهيب جعل الله تعالى له في القلوب هيبة .
- وقوله : " ومن خالطه معرفة أحبه " أي من صاحبه وجالسه وما شابه ورافقه صلى الله عليه وسلم أحبه ؛ لأنه لا يرى فيه إلا ما يدعو إلى حبه من كريم الأخلاق وطيب المعاملات وحسن المعاشرة ، وقد قال الله تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ ص31
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ .. (159) . آل عمران .
- وقوله : " يقول ناعته " الناعت هو الواصف ، أي يقول واصفه : " لم أر قبله ولا بعده مثله " هذه الجملة واردة في قول غير واحد ممن وصفه صلى الله عليه وسلم .
- ثم أورد الإمام الترمذي عن الأصمعي تفسير الكلمات الغريبة التي جاءت في هذا الحديث ، وأكثر هذه الكلمات واضحة المعنى مما تقدم ويأتي ، وقوله : " تمغط في نشابته " بضم النون وتشديد الشين ، والنشابة واحدة النشاب وهو النبل ، وقوله : " والرجل : الذي في شعره حجونة " ، والمراد بالحجونة الانعطاف والتثني ، قال : " أي : تثن قليل " ؛ لأن شعره صلى الله عليه وسلم ليس بالجعد وإنما فيه حجونة مثل ما جاء : " كان جعدا رجلا " لم يكن جعدا قططا ، وإنما كان جعدا رجلا .
8- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ إِمْلاَءً عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ ، يُكَنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ ، وَكَانَ وَصَّافًا ، عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا ، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، أَطْوَلُ مِنَ الْمَرْبُوعِ ، وَأَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ ، عَظِيمُ الْهَامَةِ ، رَجِلُ الشَّعْرِ ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَّقَهَا ، وَإِلَّا فَلاَ يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ ، وَاسِعُ الْجَبِينِ ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ ، أَقْنَى الْعِرْنَيْنِ ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ ، يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ، سَهْلُ الْخدَّيْنِ ، ضَلِيعُ الْفَمِ ، مُفْلَجُ الأَسْنَانِ ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ ، بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ ، عَرِيضُ الصَّدْرِ ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ص32
ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ ، أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ ، رَحْبُ الرَّاحَةِ ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ ، سَائِلُ الأَطْرَافِ - أَوْ قَالَ : شَائِلُ الأَطْرَافِ - خَمْصَانُ الأَخْمَصَيْنِ ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا ، يَخْطُو تَكَفِّيًا ، وَيَمْشِي هَوْنًا ، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا ، خَافِضُ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاَحَظَةُ ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلاَمِ. " وهو حديث طويل جدا ، أورد المصنف رحمه الله بعضه هنا وسيأتي مقطعا في مواضع من كتابه ، وقد ساقه بتمامه الإمام المزي رحمه الله في مقدمة كتابه " تهذيب الكمال 1/214 . وقال : " وفي إسناد حديثه بعض من لا يعرف " . وقال العلامة ابن القيم في كتابه " المدارج 1/ 506 " : " وأما حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف " . وفي إسناده أيضا جميع بن عمير ، قال الحافظ في " التقريب 1/142 " : " جميع ابن عمير ،،، ضعيف رافضي " . والرجل الذي من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله : مجهول . فالحديث سنده ضعيف لا يثبت ، وقد مرت بعض ألفاظه في أحاديث صحيحة , ويأتي بعضها أيضا في أحاديث أخرى صحيحة . ص33
وليس كل أحد يجيد الوصف ، فمن الناس من يرى الشخص مرات ويقال له : صفه فلا يستطيع ، ومنهم من يراه مرة أو مرتين فيصفه وصفا دقيقا ، فمثل هذا يقال له : وصاف .
- قوله : " عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم " المراد بحليته : صفته ونعته صلى الله عليه وسلم ، واختار هذه اللفظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كله حلية وجمال .
- وقوله : " وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به " المراد بالتعلق هنا : تعلق العلم والمعرفة ، يعني تكون عندي صفة أحفظها وأضبطها بحيث أكون على ذكر وعلى معرفة بوصفه صلى الله عليه وسلم من خلال تلك الألفاظ والجمل التي أحفظها .
والحسن بن علي ممن أكرمهم الله برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه رآه وهو صغير رضي الله عنه ، لذلك أراد من خاله هند رضي الله عنه الوصاف أن يعطيه جملا في أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق بها في باب المعرفة والعلم بأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يفيد أن معرفة أوصافه صلى الله عليه وسلم باب شريف من العلم تجدر العناية به .
- وقوله : " كان النبي صلى الله عليه وسلم فخما " : أي عظيما في أوصافه وفي هيئته وفي مظهره وفي حليته وفي صفته ، " مفخما " : أي معظما في صدور أصحابه وفي صدر من يراه صلى الله عليه وسلم .
- وقوله : " يتلآلآوجهه تلألؤ القمر ليلة البدر " التلألؤ وهو الإشراق والإضاءة ، فكان وجهه صلى الله عليه وسلم مشرقا مضيئا متلألئا تلألؤ القمر .
- وقوله : " أطول من المربوع " أي أنه صلى الله عليه وسلم كان ربعة من القوم لكنه إلى الطول أٌقرب ، فليس مربوعا تماما وإنما أطول من المربوع ؛ لكنه ليس بالطويل البائن كما سبق بيانه . ص34
- وقوله : " وأقصر من المشذب " المشذب هو طويل القامة مع النحافة ، والنحيف الطويل يظهر طوله بشكل واضح ، فكان صلى الله عليه وسلم أقصر من المشذب وأطول من المربوع .
- وقوله : " عظيم الهام " أي الرأس وقد سبق هذا .
- وقوله : " رجل الشعر " أي في شعره تثن يسير ، وقد مر معناه .
- وقوله : " إن انفرقت عقيقته فرقها " العقيقة الشعر ، أي إذا كان شعره يمكن فرقه فرقه ، " وإلا فلا " أي : وإن لم يمكن فرقه أبقاه مسترسلا على حاله .
قال ابن القيم رحمه الله في " الزاد " : " وكان أولا يسدل شعره ثم فرقه ، والفرق أن يجعل شعره فرقتين ، كل فرقة ذؤابة ، والسدل أن يسدله من ورائه ولا يجعله فرقتين " .
" يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره " وقد مر نحو هذا في بعض الأحاديث .
- وقوله : " أزهر اللون " الأزهر هو الأبيض بياضا مشربا بحمرة .
- وقوله : " واسع الجبين " الجبين معروف ، أي ممتد الجبين في الطول والعرض .
- وقوله : " أزج الحواجب " الحاجب معروف ؛ وهو العظم الذي فوق العين بما عليه من لحم والشعر النابت على هذا اللحم ، وهما حاجبان ، والزجج : طول الحاجبين ، ودقتهما ، وسبوغهما إلى مؤخر العينين ، وقوله " سوابغ " جمع سابغة بمعنى كاملة وتامة ، فكانت صلى الله عليه وسلم تامة كاملة ، وقوله " في غير قرن " القرن هو التقاء الحاجبين بحيث لايكون بينهما فجوة أو فراغ ، فالأقرن من اتصل شعر حاجبيه ، والأبلج من كان ما بين ص35
حاجبيه خاليا من الشعر ، وكانا منفصلين ، والعرب تستحبه ، فكان صلى الله عليه وسلم قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا ؛ لذلك قال : " بينهما عرق يدره الغضب " أي بين الحاجبين عرق يصيره الغضب دما