الموضوع السادس القراءات وما يتصل بها من الإسناد والوقف والتجويد
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "خذوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، وأُبي بن كعب".
وروى أيضًا عن أنس بن مالك أنه سئل عمن جمع القرآن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : "أربعة ، كلهم من الأنصار : أُبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد من عمومة أنس".
وعنه أيضًا : "مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد".
ومن هذه الروايات نتبين أن كل راوٍ كان يخبر عن علمه ، وأن قول أنس : "لم يجمع القرآن..." الحديث قاله وهو يفتخر بقبيلته الخزرج.
فالصالحون كانوا يتباهون بالعمل الصالح.
أخرج ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : "افتخر الحيان : الأوس والخزرج ، فقال الأوس : منا أربعة : مَن اهتز له عرش الرحمن لما مات : سعد بن معاذ ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين : خزيمة بن أبي ثابت ، ومن غسلته الملائكة : حنظلة بن أبي عامر ، ومن حمته الدبر : عاصم بن أبي ثابت. فقال الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم". وذكروا ما رواه أنس.
__________
1 القراءات جمع قراءة؛ وهي في اللغة : مصدر قرأ ، وفي الاصطلاح : "القراءات : علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة". انظر : منجد المقرئين لابن الجزري ص3 ، وانظر تعريفًا آخر للقراءات في مناهل العرفان للأستاذ الزرقاني 1/ 405.
94 | 396
وعليه ، فلا يحتج بحديث أنس في حصر الحفظة للقرآن على أربعة ، فهم لا يحصون.
ومن الرواة من جعلهم خمسة أو ستة. وكل هذا إخبار عن علم الراوي ، وإلا فأين الخلفاء الراشدون والمبشرون بالجنة وبعض أمهات المؤمنين؟
واسم أبي زيد في حديث أنس : قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار.
والقراء من التابعين زاد عددهم. ومن أتباع التابعين كان القراء السبعة الذين يعتبرون أئمة؛ وهم : نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي.
وعن كل إمام تلميذان له؛ فعن نافع : قالون وورش.. وعن ابن كثير : البزي وقنبل. وعن أبي عمرو : الدوري والسوسي. وعن ابن عامر : هشام وابن ذكوان. وعن عاصم : أبو بكر بن عياش وحفص. وعن حمزة : خلف وخلاد. وعن الكسائي : الدوري وأبو الحارث.
وأول مَن صنف في القراءات : أبو عبيد القاسم بن سلام ، ثم أحمد بن جبير الكوفي ، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي ، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري ، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدجوني ، ثم صنف طبقاتهم : أبو عبد الله الذهبي ، ومن بعده : أبو الخير الجزري.
وقد ألَّف الإمام الشاطبي في القراءات كتابًا منظومًا ، ذكر فيه ما يتعلق بالقراءات السبع.
95 | 396
وأحسن مَن تكلم في القراءات إمام القراء : أبو الخير بن الجزري ، فقال : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا ، وصح سندها1 إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها ، ويجب قبولها ، سواء نقلت عن الأئمة السبعة أو غيرهم. اهـ بتصرف.
فمتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة؛ كانت ضعيفة ، أو شاذة ، أو باطلة.. لأن الاعتماد على تحقق هذه الأركان لا على مَن تنسب إليه القراءات.
والمراد بموافقة العربية ولو بوجه أن تكون القراءة سائغة في النحو؛ نحو قوله تعالى : {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} فيمكن حمل "المقيمين" على أنه منصوب بفعل تقديره : أمدح..
والمراد بموافقة الرسم العثماني ولو احتمالًا كقراءة : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بالألف ، فإنها موافقة للرسم العثماني بغير ألف؛ لأن من عادتهم حذفها اختصارًا.
والمراد بصحة السند : اتصاله ، وعدالة الرواة وضبطهم ، وخلوه من الشذوذ والعلة ، ويشترط أن تكون متواترة في الجملة.
فكل قراءة توافرت فيها أركانها الثلاثة منكرها كافر.
وأما ما صح نقله عن الآحاد ووافق العربية؛ لكن خالف الرسم العثماني ، فيقبل ولا يقرأ به ، ويحتج به على أنه رواية كقراءة عبد الله بن مسعود في كفارة اليمين : "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".
وأما ما نقله الثقة ولا حجة له في العربية ، أو نقله غير الثقة وله حجة
__________
1 القاعدة : أن كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا ، وكانت متواترة ، فشرط القرآن التواتر لا صحة السند كما يقول ابن الجزري. والقاعدة : أن القرآن يوجب العقل تواتره؛ لأن الدواعي تتوافر على نقل الشيء ، إما لقرابته أو لفرط أهميته ، وهذه القاعدة قد أخذتها مشافهة من أستاذي العلامة الشيخ عبد العال عطوه الأستاذ بكلية الشريعة والقانون ، وذلك أثناء دراستي عليه الفقه والأصول دراسة خاصة ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
96 | 396
في العربية ، فهذان لا يقبلان ولا يقرأ بهما وإن وافقا الرسم العثماني.
والقراءات العشرة لا تخرج عن كونها إما متواترة أو مشهورة ، وهناك قراءة تعتبر شاذة1 لما وقع فيها من الإدراج؛ وهو اختلاط التفسير بالقراءة ، ومثاله : ما عُزي إلى ابن عباس من أنه كان يقرأ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.. ويزيد : "في مواسم الحج".
ومما هو شاذ ولم يقع فيه إدراج قراءة بعضهم : "مَلَكَ يَوْمَ الدين" بصيغة الماضي ونصب اليوم.
ولا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترًا في أصله وأجزائه ، وأما في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة.
والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان.. فالقرآن : هو الوحي المنزَّل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- للبيان والإعجاز.
والقراءات : اختلاف ألفاظ الوحي المذكور مع اتحاد المعنى أو تقاربها.
وإنما الاختلاف في الحروف وكيفية أدائها من تشديد أو تخفيف أو إدغام وغير ذلك.
وقد سبق أن القراءات الشرعية المعتبرة متواترة بألفاظها من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أئمة القراءات ، ومنهم إلينا.
وإذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر كيفية أدائه من : مد ، وغن ، وتحقيق ، وتسهيل ، وغير ذلك من أحكام تناولها علماء التجويد بالتفصيل والإيضاح.
ومن الخطأ قصر صحة الرواية عن الأئمة السبعة على الراويين عن كل إمام؛ فهناك رواة ثقات عن كل إمام غير تلميذيه المشهورَيْنِ.
__________
1 القراءة الشاذة : هي ما لم يصح سندها ولو وافقت رسم المصحف والعربية؛ مثل : "ملك يوم الدين" بصفته الماضي في ملك ونصب يوم مفعولًا على ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
97 | 396
وأصح القراءات سندًا قراءة : نافع, وعاصم.. وأفصح القراءات : أبو عمرو ، والكسائي.
وأما قراءة الثلاثة بعد الأئمة السبعة ، فمتواترة أيضًا معلومة من الدين بالضرورة. والثلاثة هم : يعقوب ، وأبو جعفر ، وخلف.
ومن المعلوم أن تعدد القراءة في الآية الواحدة ينبني عليه اختلاف النظر في الحكم الفقهي. فمن يرى نقض الوضوء بلمس المرأة لاحتمال ذلك قوله : {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فإنه يمكنه أن يرجح هذا القول بالقراءة بدون ألف بعد اللام.
ولاختلاف القراءات وتنوعها فوائد :
أ- التسهيل على الأمة.
ب- إظهار فضل هذه الأمة ، وقد أنزل الله إليها الكتاب على أكثر من وجه.
جـ- إفساح المجال للاجتهاد واستنباط الأحكام والمعاني.
د- إظهار سر الله في كتابه وصيانته له عن التبديل والاختلاف ، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة.
هـ- المبالغة في إعجازه بإيجازه؛ إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات ، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخفَ ما في ذلك من التطويل.
و- جعل بعض القراءات بيانًا لما أُجمل في القراءة الأخرى.
وأما الوقف والابتداء ، فإنه وثيق الصلة بكيفية الأداء. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : "لقد عشنا برهة من دهرنا ، وإن أحدنا ليُؤْتَى الإيمان قبل القرآن ،
98 | 396
وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنعلم حلالها وحرامها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ، ولقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ، ولا زجره ، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه".
فهذا الحديث يدل على أنهم -رضوان الله عليهم- كانوا يتعلمون الوقف ، ويعتبرون ذلك من تمام تعلمهم للقرآن.
وعن علي -كرم الله وجهه- في قوله تعالى : {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قال : "الترتيل" : تجويد الحروف ومعرفة الوقف.
فعلى معرفة الوقف والابتداء وضوح المعنى؛ وبذلك يقف الإنسان على شيء من وجوه إعجاز القرآن.
ومن هنا يجب ألا يُوقف على كلمة مرتبطة بما بعدها أو ما قبلها؛ لأن ذلك مخل باستقامة المعنى ، ويروى النهي عن الوقف على قوله تعالى : {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ويجب الوصل بقوله : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} حتى لا يتجزأ المعنى.
وقد اصطلح العلماء1 على تقسيم الوقف إلى :
أ- تام : وهو ما لا صلة له بغيره من حيث المعنى.
ب- حسن : وهو الوقف عند معنى مفيد ولكن لم يتم؛ كالوقف على {الْحَمْدُ لِلَّهِ} والابتداء بـ{رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
جـ- وقبيح : وهو الوقف قبل استعمال المعنى؛ كالوقف قبل الاستثناء.
واعلم أنه بسبب عدم معرفة الوقف والابتداء قد انتشر الجهل إلى حد يفسد المعنى.. وذلك لأن الوقف قبل تمام المعنى مفسد ، وكذلك وصل ما يجب الوقف عليه مفسد أيضًا.. وإليك بعض النماذج :
__________
1 هذه الاصطلاحات لعلماء التجويد على ما هو معروف في كتب التجويد؛ مثل : الجزرية ، وتحفة الأطفال؛ لكن ذكرها المؤلف هنا تبعًا للسيوطي في الإتقان.
99 | 396
لو وصلنا قوله من سورة غافر : {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} بما بعده وهو قوله : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} لفسد المعنى.
وكذلك لو وصلنا : {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ} لفسد المعنى أيضًا. وقوله : {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} لو لم نقف على "ولد" لفسد المعنى.
وإذا وقفنا عند قوله : {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا} ثم ابتدأنا {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} لكان ذلك كفرًا إن تعمده مَن وقف على القول وابتدأ بمقول القول.
وقد يضطر القارئ عند انقطاع النَّفَس إلى الوقف. وهذا له حكم الضرورات؛ ولكنه عليه أن يبتدئ بما لا تعلق له بما قبله؛ لأنه مختار وليس بمضطر.
وليس كل ما يتعسفه بعض المعربين ، أو يتكلفه بعض القراء ، أو يتأوله بعض أولي الأهواء ، مما يقتضي وقفًا أو ابتداء ، ينبغي أن يتعمد الوقف عليه؛ بل ينبغي تحري المعنى الأتم ، والوقف الأوجه.. فإن ذلك مما يفسد المعنى أحيانًا؛ كوقف بعضهم على قوله : {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ} ويبتدئ : {بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} لأنه يكون على لسان المتكلم مع أنه حكاية عن حال من أحوال المنافقين.
ولا بد للقارئ من معرفة بعض المذاهب المشهورة في الفقه والنحو والتفسير؛ حتى لا يفسد المعنى بقراءته.
ولأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء؛ فنافع كان يراعي التجانس بحسب المعنى. وابن كثير وحمزة كانا يراعيان انقطاع النَّفَس. وعاصم
100 | 396
والكسائي كانا يراعيان تمام الكلام. وأبو عمرو كان يراعي رءوس الآي؛ لأن الوقوف عليها سُنَّة.
ومِن العلماء مَن فرق بين الوقف والسكت والقطع؛ فقال : الوقف بتنفس عند الموضع الذى وقف عليه. والسكت وقف بلا تنفس. والقطع إنهاء القراءة ، ولا يكون إلا عند رأس الآية ، فإن بدأ تعوذ بالله.
وللوقف في كلام العرب أوجه متعددة. والمستعمل منها عند الأئمة تسعة : السكون ، والروم ، والإشمام ، والإبدال ، والنقل ، والإدغام ، والحذف ، والإثبات ، والإلحاق.
فالروم : النطق ببعض الحركة ، ولا يقع في المفتوح. والإشمام : الإشارة إلى الحركة من غير تصويت ، ويختص بالضم.
وأما الإبدال : ففي الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف. وأما النقل : ففيما آخره همزة بعد ساكن.
وأما الإدغام : ففيما آخره همزة بعد ياء أو واو زائدتين ، فإنه يوقف عليه كسابقه عند حمزة.. وذلك بالإدغام بعد نقل الهمزة إلى جنس ما قبله.
وأما الحذف : ففي الياءات الزوائد عند مَن يثبتها وصلًا ويحذفها وقفًا؛ نحو : "المتعال".
وأما الإثبات : ففي الياءات المحذوفات وصلًا عند مَن يثبتها وقفًا؛ نحو : "وما لهم من دونه من والي".
وأما الإلحاق : فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند مَن يلحقها؛ نحو : "عم".
وفي الحديث : "اقرءوا القرآن بلحون العرب في أصواتها ، وإياكم وأصوات أهل الفسق وأهل الكتابين".
101 | 396
فما ذكرناه مما هو منسوب إلى أئمة القراء لا يخرج عن لحون العرب وأصواتهم ، ومن لحونهم : فتح الألف وإمالتها بين الفتح والكسر. وقد تخف هذه الإمالة وقد تزيد فترقق حتى تكون إلى الكسر أقرب. والأقرب أن تكون الإمالة فرعًا عن الفتحة ، فما من كلمة تمال إلا وبعض العرب يفتحها.
وللإمالة أسباب ووجوه وفوائد ، ومن يميل من القراء ، وما يمال من الكلمات ، واستيفاء ذلك في كتب القراءات والتجويد.
ومن الخطأ والتجني على العلم قراءة القرآن بميوعة وتخنث ، وفي الحديث : "اقرءوا القرآن فخمًا مفخمًا" أي : لكل معنى ما يناسبه من الصوت ، مع المحافظة على الأداء برجولة.
ومما تجب ملاحظته : الإدغام ، والإظهار ، والإخفاء ، والإقلاب. ولكل من هذه الأقسام مواضعها ، وبسط ذلك في كتب فن القراءات :
فالإدغام : هو اللفظ بحرفين حرفًا كالثاني مشددًا.
والإظهار : إظهار الحرف بكامل هيئته.
والإقلاب : قلب الحرف ليكون قريبًا من حرف آخر.
والإخفاء : إخفاء الحرف.
وللنون الساكنة وللتنوين هذه الأحكام الأربعة ، فتدغم إذا وليها : الياء والنون والميم والواو ، وكانتا في كلمتين. وتظهر إن وليها أحرف الحلق : الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء. وتقلب إن وليها الباء. وتُخْفَى إن وليها باقي حروف الهجاء. والإخفاء حالة بين الإدغام والإظهار ، ولا بد أن تصحبه غنة.
كما أنه لا بد للقارئ أن يعرف ما يمد ، وما لا يمد ، وحركات المدود. فإذا وقعت الهمزة والمد في كلمة واحدة كان المد متصلًا. وإن كانت في كلمة والمد في كلمة فالمد منفصل.
102 | 396
فالأول نحو : {أُولَئِكَ}. والثاني نحو : {بِمَا أُنْزِلَ}.
وهناك مد لازم؛ وهو ما يعقبه حرف مشدد؛ نحو : {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}.
والمد : مط الحرف حركة فأكثر.
عن ابن مسعود أنه أنكر على قارئ يقرأ : "الفقراء" بغير مد ، وأمره بمدها؛ لأن ابن مسعود هكذا بالمد تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن العرب مَن يحقق الهمزة ، ومنهم مَن يسهلها إذا وقعت قبلها همزة ، ومنهم مَن يقلبها ألفًا نحو : {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} أو بقلبها واوًا إن ضم ما قبلها ، أو ياء إن كسر؛ نحو : يؤمنون ، والنبي.
وحفظ القرآن فرض كفاية ، وكذا تعليمه وتعلمه. ولا بد فيه من المشافهة ، وتلقيه عن أهله الذين يتلونه حق تلاوته من غير مبالغة ولا تقصير؛ لأنه إذا اشتد البياض كان برصًا ، وهكذا القراءة تُتلى لا هزًّا كهز الشعر ، ولا سردًا مخلًّا ، ولا تذمتًا مملًّا.
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال : "جودوا القرآن".
والتجويد حلية القراءة؛ وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ورد الحرف إلى مخرجه وأصله ، وتلطيف النطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ، ولا إفراط ولا تكلف.
والقراءة إما تحقيقًا وهي ما كانت للرياضة ، وإما ترتيلًا وهي ما كانت للتدبر. وفي الحديث : "مَن أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" يريد : ابن مسعود. وقد قيل :
للحرف ميزان فلا تك طاغيا فيه ولا تك مخسر الميزان
وإن أول ما تغنى المغنون بالقرآن قوله تعالى : {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} الآية.
103 | 396
وذلك تقليدًا لما كانوا يتغنون به من قول الشاعر :
أما القطاة فإني سوف أنعتها نعتًا يوافق عندي بعض ما فيها
ويُغتفر للمتعلم اللحن اليسير إذا لم يتيسر له شيخ يقرأ عليه ، وهذا بحكم الضرورة ، وإلا فاللحن في القرآن مقطوع بتحريمه.
وبهذا ينتهي هذا الموضوع.
104 | 396