مع المفسرين وكتبهم
مِن المفسرين مَن سلك طريقة الإجمال؛ للتيسير على الطالب؛ كما فعل الجلالان : السيوطي ، والمحلي..
ومنهم مَن سلك المقارنات؛ للتوفير على الطالب الرجوع إلى هذه المراجع؛ كما فعل الجمل في حاشيته..
ومنهم مَن سلك طريقة التحليل؛ كمعظم الكتب التي في أيدينا ، ومعظمها ينقل بعضها من بعض..
فمنهم مَن سلك مسلك المتكلمين. ومنهم مَن سلك مسلك الفقهاء. ومنهم مَن سلك مسلك المحدثين. ومنهم مَن ضمَّن تفسيره مباحث لغوية وبلاغية.
ومنهم مَن سلك مسلك الموضوعية؛ فاستعرض آيات الأحكام مثلًا ، أو القصة القرآنية. وكان هذا كنواة للتفسير الموضوعي.
وكثير من كتب التفسير قد مُلئت بأخبار نُقلت عن علماء أهل الكتاب الذين أسلموا؛ كعبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وأغلبها لم يصح ، ومن بين الكتب الحافلة بالقصص كتاب أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري صاحب "التفسير الكبير" ، المتوفَّى سنة سبع وعشرين وأربعمائة..
وفي زمن التابعين دُوِّنَ التفسير وصُنف فيه ، وأول كتاب ظهر في التفسير كان لسعيد بن جبير المتوفَّى سنة أربع وستين ، وكان من أعلم التابعين في التفسير ، نص على ذلك قتادة ، وحكاه السيوطي في "الإتقان".
وتوالت بعد ذلك المؤلَّفات ، ومن أشهرها كتاب "الرغيب في القرآن" لأبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي ، المتوفَّى سنة سبع ومائتين ، ثم "جمع البيان" لابن جرير الطبري ، وهو حافل بالمأثورات والقراءات والاستشهاد بالشعر ، إلا أن ما به من المأثورات في أغلبه مقال. وكان ذلك في المائة الثالثة للهجرة.
وفي المائة الرابعة ظهر تفسير النيسابوري ، وفي المائة الخامسة ظهر كتاب "البيان الجامع لكل علوم القرآن" وهو للشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي شيخ الإمامية من الشيعة..
وفي المائة السادسة ظهر كتاب "الكشاف" للزمخشري ، وهو يهتم بالتحقيق اللغوي والأسرار البلاغية ، وقد سلك في تفسيره مسلك المعتزلة ، وذلك على صحة مذهبهم وإن تكلف في ذلك الكثير.
142 | 396
وفي المائة السابعة أُلف "أنوار التنزيل" للبيضاوي ، وهو كثير النقل عن الكشاف. وقد أتى بأحاديث في فضائل السور ، أغلبها فيه مقال.
وفي المائة الثامنة ظهر تفسير ابن كثير ، ويمتاز بتحقيق ما أورده الطبري من مأثورات وإن كان لم تزل فيه بقية تحتاج إلى تمحيص. وظهر كتاب "البحر" لأبي حيان ، وهو من أدق المفسرين ملحظًا.
وفي المائة التاسعة ظهر كتاب "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" للبقاعي ، وهو يهتم بالمناسبة كما هو معلوم من عنوانه.
وفي المائة العاشرة ظهر كتاب "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" لأبي السعود ، وهو يهتم بالأسرار اللغوية ، وليس به اعتزال.
وفي المائة الحادية عشرة ظهر كتاب "عين الحياة" للشيخ بهاء الدين العاملي الكركي.
وفي المائة الثانية عشرة ظهر كتاب "البرهان في تفسير القرآن" للسيد هاشم البحراني.
وفي المائة الثالثة عشرة ظهر كتاب "روح المعاني" للألوسي ، وهو من أجمع التفاسير لتأخره.. وكتاب "المنار" للسيد رشيد رضا ، وكان هذا في المائة الرابعة عشرة.
والحق أن المفسرين أكثر من أن يحصوا ، فلغير من ذكرنا كتب نفيسة نحت منحى الفقه؛ كالجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، أو نحو الفلسفة؛ كالتفسير الكبير للفخر الرازي ، أو تعرضت لبعض الآيات؛ كالتفسير القيم لابن القيم ، الذى جُمع أخيرًا من كتبه العديدة.
ومن بين الكتب المفيدة في التفسير كتاب "فتح القدير" للشوكاني ، وكتاب "القاسمي" ، وتفسير الواحدي ، وغيرهم.
143 | 396
وقد تدرج التفسير بتدرج الحياة, فبدأ قليلًا موقوفًا على المنقول بسنده ، ثم حذف السند بدعوى الاختصار ودخل الدخيل ، وطعن الناس في المنقول ، وانطلق العقل من عقاله يشكك ويفند ويستنتج؛ حتى عد من لا علم له التفسير بالرأي مقابلًا للتفسير المأثور ، وضاق البعض ذرعًا بالمعقول وتهوره ، كما ضاقوا بالمنقول وتضاربه.
والحق أن الإحجام عن التفسير تورعًا مغالاة تنافي التدبر ، وأن تطويع الآيات للهوى إسراف ينافي التفكير.
ولا بد للباحث من مطالعة حبل الأفكار؛ ليحظى بأكبر قدر من الأسرار.
ومن المفسرين من شحن تفسيره بقواعد العلوم؛ كالطب والهيئة والطبيعة وغيرها ، ورجع بكل ذلك إلى نصوص قرآنية ، وتلك المحاولات وإن بدت منها فوائد ففيها أضرار؛ إذ تلك العلوم لا تعرف الكلمة الأخيرة ، فهي متطورة بتطور أصحابها.
ويكفي القرآن أنه ليس فيه نص يعارض حقيقة علمية؛ بل يدعو إلى السير والنظر وارتقاب النتائج {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} وقوله تعالى : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} إن أريد به القرآن ، فالمراد كليات المسائل. والصواب : أنه اللوح المحفوظ؛ كقوله تعالى : {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وقوله سبحانه : {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}.
144 | 396
وهذا تفصيل لمناهج بعض المفسرين الموجودة كتبهم بأيدينا ، وهي مرتبة حسبما نراه مهمًّا للطالب معرفته :
1- مفاتيح الغيب للرازي :
وقد وُلد في اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، وقيل : سنة ثلاث وأربعين ، الموافقة لسنة 1149م.
نسبه ولقبه :
هو الإمام الكبير شيخ الإسلام العلامة النحرير ، الأصولي ، المتكلم ، المناظر ، المفسر ، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق ، الخطية في سوق الإفادة بالاتفاق ، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري القرشي ، الطبرستاني ، الرازي المولد ، الملقب فخر الدين ، المعروف بابن الخطيب أو ابن خطيب الري؛ ذلك أن أباه كان خطيبًا ، الفقيه الشافعي المذهب ، الأشعري العقيدة ، الملقب بالإمام عند علماء الأصول ، المقرر لشبه مذاهب الفرق المخالفين ، والمبطل لها بإقامة البراهين ، أفاق أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية ، وخصوصًا في الأصلين : أصول الفقه وأصول الدين والمعقولات ، وعلم الأوائل ، فريد عصره ، ونسيج وحده.
قال فيه بعض العلماء :
خصه الله برأي هو للغيب طليعة فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة
وقد كان الرازي يعظ باللسانين : العربي والعجمي ، وكان يلحقه الوجد حال الوعظ ويكثر البكاء ، وكان يحضر مجلسه بمدينة "هراة" أرباب المذاهب والمقالات ، ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن الأجوبة والمجادلات على
145 | 396
اختلاف أصنافهم ومذاهبهم ، ويجيء إلى مجلسه الأكابر والأمراء والملوك, وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة ، إذا ركب مشى معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مذاهبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك.
ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية إلى مذهب أهل السنة ، وكان يلقب بهراة بشيخ الإسلام.
وتُوفي فخر الدين يوم الاثنين -يوم عيد الفطر- سنة ست وستمائة هجرية ، الموافقة لسنة ألف ومائتين وتسع ميلادية بمدينة هراة ، رحمه الله رحمة واسعة.
ومن مصنفاته :
تفسير القرآن الكريم المسمى بـ"مفاتيح الغيب" ، جمع منه من الغرائب والعجائب ما يطرب كل طالب ، وهو كبير جدًّا ، وترجع شهرة الرازي إلى هذا التفسير؛ إذ جمع فيه بين المباحث الكلامية والفلسفية والدينية ، وردَّ فيه على تأويلات المعتزلة للقرآن ، وضمَّنه محاولته للتوفيق بين الفلسفة والدين.
وله من التصانيف :
- المطالبة العلية ، في ثلاثة مجلدات ولم يتمه.
- نهاية المعقول في دراية الأصول ، في مجلدين.
- كتاب الأربعين في أصول الدين.
- محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين.
- كتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان.
146 | 396
منهجه في تفسيره :
1- يعتمد على الاستدلال والنظر ، وهو فكر يتوصل به إلى علم أو غلبة ظن ، فإن كان النظر صحيحًا في صورته ومادته ، وصل إلى العلم بالمنظور فيه عقلًا.
وشروط النظر عنده : الحياة ، والعقل ، وعدم المعارض.
وشروط النظر الصحيح :
أ- النظر في الدليل لا في الشبهة. والفرق بينهما أن النظر في الدليل يوصل إلى العلم بالمطلوب ، بخلاف النظر في الشبهة؛ فإنها لا توصل؛ أي : أن الدليل يستلزم المدلول عليه ، بخلاف الشبهة فليس بينها وبين المطلوب تلازم.
ب- ألا يكون المطلوب تحصيله معلومًا ، وإلا لزم تحصيل الحاصل.
جـ- ألا يكون المطلوب به أضعف وأقل مرتبة من المطلوب. فلا يطلب بالدليل الظني علم؛ لأن الظن أقل من العلم. أما الدليل الذي يفيد العلم ، فإنه يطلب به المعلوم والمظنون.
فمثلًا : خبر الواحد مفيد للظن فلا تثبت به عقيدة؛ لأن المطلوب فيها اليقين والقطع.
2- دلالة الألفاظ على معانيها ظنية؛ لأنه يتوقف على أمور عشرة حتى تكون الدلالة قطعية.
وهذه الأمور هي :
1- نقل اللغة : فعنده قد يحرف النقلة.
2- نقل الاستعمال : وقد ينقطع السند.
147 | 396
3- نقل الإعراب : وقد تحتمل الكلمة أكثر من وجه ، والاحتمال مورث للظن.
4- نقل التصاريف : فقد تتعدد ويختلف المعنى؛ مثل "غلف" أهي الأوعية أو الأغطية؟
5- عدم المجاز : فلا ندري هل الكلمة مستعملة في حقيقتها أو في مجازها؟
6- عدم النقل : فقد يتدخل العرف أو الشرع ، فتُنقل الكلمة وتصير عرفية كالسمك؛ فإنه يغاير اللحم عرفًا مع أنه لحم في اللغة ، قال تعالى عن البحر : {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}.
وقد ينقل الشارع الكلمة من معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ كلفظ "الحج" ، فإنه قصد للبيت ، مخصوص بشعائر محددة في زمان مخصوص ، وملابس إحرام ، وغير ذلك.
7- عدم الاشتراك : فقد يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى ، واستعمالها في أحدها غير متعين؛ كلفظ "العين".
8- عدم الإجمال : فقد يخفى المراد من الكلمة؛ مثل : {يُلْقُونَ السَّمْعَ}.
9- عدم التخصيص : فقد يكون اللفظ عامًّا ويراد به الخصوص؛ كلفظ "الناس" في قوله تعالى : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} فإن المراد به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
10- عدم المعارض العقلي؛ كقوله سبحانه : {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} فإن العقل يمنع أن تراد الجارحة؛ لأنه سبحانه منزه عن الأجسام وعوارضها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
148 | 396
3- ومن منهجه أنه لا يجوز التمسك بالأدلة السمعية في المباحث العقلية؛ لأنه يمكن للخصم أن ينازع فيها بعدم التسليم بها؛ لأنها تورث احتمالات.
ومعنى هذا أنه يمكن للعقل أن يتزود بالمبادئ بناء على ما يأخذه من القرآن.
فمثلًا قوله تعالى في الاستدلال على وجوده وانفراده بالألوهية : {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} فعلى العقل أن يأخذ من هذا النص شكلًا منطقيًّا يصوغه هكذا : كل شيء مخلوق ، وكل مخلوق له خالق ، فكل شيء له خالق ، والخالق هو الله.
4- المجاز عنده في أسماء الأجناس أصلًا ، وفي الفعل والمشتق تبعًا ، وينكر وجود المجاز في الحرف.
5- دلالة فحوى الخطاب؛ كتحريم الضرب بقوله : {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} دلالة عقلية قياسية ، وليست بدلالة لغوية.
6- العقل أصل النقل ، فإن أراد أصل في ثبوته فمرفوض ، وإن أراد أصل في العلم بصحته فمسلم؛ لأن الله يخاطبه ويكلفه ، وهو المدرك لوجه الحسن فيما أمر به ، ووجه القبح فيما نهى عنه.
7- المطالب التي تُطلب بالأدلة ثلاثة :
1- ما لا حكم للعقل فيه بنفي أو إثبات؛ كقضايا الغيب ، وهذا لا يثبت إلا بالنقل.
2- ما يتوقف صحة النقل عليه؛ كالاستدل بالأدلة النقلية في قضايا عقلية ، وهذا لا يثبت إلا بالعقل.
149 | 396
3- ما عدا هذين ، وهذا يثبت بالعقل والنقل.
وأكد هنا أن توقفه وعدم استمساكه بالأدلة السمعية في المباحث العقلية ليس تقليلًا من شأنها. فهذا لا يقوله مسلم ، فضلًا عن إمام وشيخ للإسلام؛ وإنما مناقشة كل فرد بما يليق به ، فللمحتكم إلى العقل المفتون به أدلة من جنس ما يحتكم إليه ، فهي به أليق؛ إذ يمكن قلب أدلته عليه ومغالطته استهتارًا به.
والرازي يؤمن بأن الأدلة السمعية قد زودت العقل ببراهين قد لا يفطن إليها من تلقاء نفسه.
وإذا وازنا بين براهين العقل وبراهين الشارع التي زود بها العقل ، تأكدنا أن البراهين العقلية المنطقية لا توصل إلى المطلوب مباشرة ، بخلاف البراهين الشرعية ، فهي آيات توصل إلى المطلوب مباشرة {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}.
فمثلًا : قول المنطقيين في الاستدلال على وجود الله : العالم حادث وكل حادث له محدث ، فهذا الدليل يثبت المحدث؛ لكنه لا يعين أن يكون المحدث هو الله.
أما براهين القرآن وآياته التي تزود العقل بالدليل المباشر مثل قوله تعالى : {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنها تنص مباشرة على إسناد الخلق إلى الله بالتعيين.
والذي نؤمن به وندين لله به؛ هو أن العقل لا سبيل له وحده إلى اليقين في قضايا الألوهية ، وهو لا يوقن إلا مستندًا إلى الأدلة السمعية.
8- ومن منهجه الرد على الفرق المختلفة ومحاولاته التوفيق والجمع بين الآراء التي تقرب من أهل السنة.
150 | 396
9- وله جولات صوفية يغلب فيها العاطفة في بعض الأحيان.
10- وقد ضمَّن تفسيره بحوثًا تبعد أحيانًا عن مجال التفسير؛ حتى قيل في تفسيره كل شيء إلا التفسير ، وتلك مبالغة في رأينا ، جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء.
2- روح المعاني للألوسي :
مرجع أهل العراق ، ومفتي بغداد العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي ، المتوفَّى سنة 1270هـ ، سقى الله ثراه صبيب الرحمة ، وأفاض عليه سجال الإحسان والنعمة.
بدأ تأليف كتابه بناء على رؤيا رآها في عام سنة 1252هـ ، أول رؤياه بالتفسير وقال : هذا تأويل رؤياي.
وكتابه من أجمع التفاسير وأنفسها ، لولا أن فيه بعض ما أخذ عليه من شطحات صوفية عند حديثه عن تفسير البسملة. وهو يضمن تفسيره إشارات ينسبها إلى أرباب الأذواق.
منهجه في التفسير :
1- يبتدئ بإيراد المأثور من الروايات ، ويعقب عليها تأييدًا أو معارضة ، ثم يبدأ ببيان المناسبة وأسباب النزول ، ويحلل تحليلًا مستفيضًا ، وخصوصًا فيما ينقله عن الفخر الرازي.
وهو من النقاد على بصيرة ، ينقد نقدًا بناءً..
151 | 396
2- إن منهج التحليل الذي اعتمد عليه منهج علمي ، يعرض الآية ثم يحللها فيُؤَوِّل الظاهر ، ويخصص العام ، ويقيد المطلق ، ويبين المجمل من القرآن أو السنة ، أو بما يراه صالحًا لذلك ، ثم يأتي بالنتيجة لبناء ما يترتب عليها.
3- الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم فيها أصول العادة وقواعد السياسة وطبائع العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ، ولم يقس فيها الغائب بالشاهد والحاضر على الذاهب ، فربما لا يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم ، والحيدة عن جادة الصدق.
وإذا كان مدلول الخبر مستحيلًا ، فلا فائدة من التعديل والتجريح للرواة.
4- يسوي في بحثه بين ظاهر اللفظ وما وراء الظاهر ، ويعتبر ذلك روح النص ، فلم يكن من أهل الظاهر يقفون عند ظواهر الألفاظ ، ولا هو من الباطنية الذين يغفلون ظاهر اللفظ ويسرفون في باطنه بلا سند من دين أو لغة.
5- يرى أن الأدب مدخل للتفسير؛ كالأصول اللازمة للمفسر من لغة وأصول فقه؛ لذا كانت عبارته قوية في مبناها ، غزيرة في معناها. والأدب سبيل بين الله والنفس ، ولسان بين الجمال والحسن ، وسلام بين الروح والجسم ، ودليل بين الهوى والخير ، ونسب بين القرابة والبعد.
3- القرطبي :
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر ، كان من عباد الله الصالحين ، والعلماء العارفين ، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف.
152 | 396
صاحب كتاب "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان" ، وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها نفعًا.
وله مؤلَّفات أخرى غير هذا الكتاب.
تُوفي في ليلة الاثنين التاسع من شوال سنة 671هـ.
منهجه في تفسيره :
1- الترتيب المتقن ، مما يدل على أن له عقلية منظمة؛ إذ الدقة والترتيب ظاهرتان تدلان على الاستيعاب وطول الباع.
2- خالف شرطًا اشترطه على نفسه؛ وهو عدم ذكر ما لا فائدة من ذكره ، ومع ذلك ففي كتابه بعض القصص عن إبليس وأهل الكتاب لا فائدة من ذكرها.
3- يدور تفسيره على استنباط الأحكام بناء على قواعد محددة ، ويعزو أحيانًا الحكم إلى قائله.
فمن القواعد العامة :
أ- لا ضرر ولا ضرار. "والضرار" إزالة الضرر بضرر.
ب- الدين الأصل فيه التيسير على الناس. فما أغلق بابًا إلا وضع البديل له ، حرم الزنا وأباح الزواج ، ومنع من السرقة وأوجب العمل.
جـ- درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
د- غلبة الظن تكفي في الفروع بخلاف العقائد ، فلا تثبت إلا بالأدلة اليقينية.
153 | 396
هـ- العقل مدرك لوجه الحسن أبو القبح ، وليس بمثبت لهما؛ لأنه يتأثر بالانفعالات النفسية وغيرها من المؤثرات.
و- حقيقة الرأي ما يراه الرائي بقلبه ، عاملًا فكره عند تعارض الأمارات.
ز- لا تستقيم الفتوى إلا بفهم الواقع وتقدير الواجب ، والأصل في الواقع الصدق ، والواجب العدل؛ حيث قدر الشارع لكل شيء قدرًا يتناسب معه.
حـ- الألفاظ أحد الأدلة على فهم مراد المتكلم. وقد يفهم بأدلة أخرى؛ كالإشارة والسياق.
ط- الصواب : اتباع الألفاظ في العبادات ، واتباع المقاصد في العقود.
ي- لا واجب مع عجز ، كما أنه لا حرام مع ضرورة.
ك- فعل المحظور نسيانًا لا أثر له ، بخلاف ترك المأمور نسيانًا؛ فإنه تجب إعادته.
ل- المصلحة المرسلة التي يجب على المستنبط مراعاتها وتؤخذ من مقاصد الشرع ، فهي وسائل إلى تحقيق مقاصد الشرع ، فقد عرفوها بأنها ما نيطت بأمر مناسب في الجملة ، لم يعتبره الشرع ولم يلغه؛ كجمع المصحف ونقطه وتشكيله.
154 | 396
4- روح البيان :
لإسماعيل حقي المتوفَّى سنة 1137هـ.
جمع في تفسيره هذا بين الظواهر والبواطن ، وهو نفاذ البصيرة ، يكتب بالعربية وبغير العربية في تفسيره.
منهجه :
1- يقول ما قال جعفر الصادق : لقد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لا تبصرون ، ولله تعالى في كل كلمة كلمات ينفد البحر دون نفادها ، فكيف السبيل إلى حصرها وتَعْدَادها؛ ولكنها أنموذج لأهل الذوق والوجدان ، يحتذون على حذوها عند تلاوة القرآن ، فبحثه فيما وراء ظواهر النصوص أكثر.
2- يهتم بمخاطبة القلوب أكثر من اهتمامه بمخاطبة العقول ، فهو إلى مذاهب الصوفية ومعتدلة الشيعة أقرب.
3- الإلهام من أسباب المعرفة عنده ، فهو يورث علمًا ضروريًّا مقطوعًا به؛ لذا يكثر من الاستشهاد به وبأقوال الملهمين.
5- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل :
تأليف أبي القاسم جاد الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفَّى سنة 538هـ.
155 | 396
منهجه فيه :
1- الاعتماد على اللغة ، والاهتمام باستعمال الكلمة في حقيقتها أو مجازها.
2- العناية بالأسرار البلاغية في إثبات الإعجاز.
3- نصرته في مذهب المعتزلة وتكلفه في تأويل ما يضاد مذهبه.
4- إذا تعارض العقل مع النقل في رأيه أَوَّلَ النقل بما يتفق مع العقل؛ لنصر مذهبه الاعتزالي.
5- الدفاع عن الإسلام بحجج عقلية ، يلزم بها خصومه.
6- تفسير القرآن العظيم :
لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفَّى سنة 774هـ.
منهجه في التفسير :
1- يهتم بالتفسير المأثور ، مع ذكر السند ، مختصرًا لما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره الجامع. ويعتبر ابن كثير منقح لتفسير الطبري.
2- يذكر الرأي بعد ذكره للمأثور ، ويُؤخذ عليه أنه لم يلتزم بالاختصار على ذكر المنقول الصحيح ، فذكر بعض الروايات السقيمة التى تحتاج إلى تمحيص ، ومن توفيق الله أن كلفنا طلبة الدراسات العليا بتنقية تفسير الطبري من الدخيل ، وسنوالي تنقية سائر كتب التفسير تباعًا إن شاء الله.
3- يعتمد ابن كثير على ما يذكره ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما
156 | 396
من كتب لم تلتزم بإخراج الصحيح كما فعل البخاري ومسلم. وابن كثير يقدم روايات الصحيحين على غيرهما.
4- إذا وجد في الخبر علة أو نكارة ، عزا ذلك إلى قائله. ومن غير شك أن القول بالعلة أو النكارة قد لا يكون متفقًا عليه ، مما جعل البعض يأخذ على ابن كثير تصحيح ما ليس بصحيح ، أو تضعيف ما ليس بضعيف.
5- يعد كثيرًا من الروايات في الآية الواحدة مما يعين الباحث على الإلمام بطرق الحديث أو بعضها.
7- مدارك التأويل وحقائق التأويل :
لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي.
منهجه :
1- هو مختصر لتفسير الزمخشري؛ إلا أنه ينصر مذهب الأشاعرة على مذهب المعتزلة.
ومحور الخلاف بين الفريقين في مسائل كثيرة من علم الكلام ، أهمها : خلق العباد لأفعالهم الاختيارية ، فالأشاعرة ينفون الخلق ولا ينفون قدرة العبد ، والمعتزلة يثبتونهما.
2- يلتزم المؤلف بالإيجاز غير المخل ويتجنب الإطناب الممل ، وتكاد أن تتحد في منهجها التفسيري كتب أبي السعود والبيضاوي والنسفي ، أو تقترب مع فوارق قليلة.
157 | 396
8- تفسير القرآن الحكيم المسمَّى "تفسير المنار"
تأليف : السيد/ محمد رشيد رضا1.
ولم يُستكمل ، وقد نقل جزءًا منه عن الشيخ/ محمد عبده.
منهجه :
1- الجمع بين صحيح المنقول وصريح المعقول.
2- بيان السنن الإلهية في الإنسان.
3- تبسيط الأسلوب وتحاشي غرائب التفسير.
4- تجرده من القصص والخرافات.
5- الرد على أصحاب الشبه بالحجج والبراهين.
6- الدعوة إلى توجيه المسلمين إلى ما ينفعهم ، والنعي على المنتسبين للعلم ، القاعدين عن نصرة دين الله.
9- في ظلال القرآن :
تأليف الأستاذ/ سيد قطب2.
منهجه فيه :
1- تجنب ما حفلت به كتب التفسير الأخرى من إعراب ، وإدخال قضايا يمكن الاستغناء عنها.
__________
1 محمد رشيد بن علي رضا البغدادي الأصل ، الحسيني النسب ، صاحب مجلة "المنار" ، من العلماء بالحديث والتاريخ والأدب والتفسير ، وُلد ونشأ في العلمون "من أعمال طرابلس الشام" عام 1282هـ "1865م" ، ورحل إلى مصر سنة 1315هـ ، فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له. أشهر آثاره مجلة المنار ، أصدر منها 34 مجلدًا ، و"تفسير القرآن الكريم" اثنا عشر مجلدًا ولم يُكمله.
2 سيد قطب إبراهيم ، مفكر إسلامي مصري ، من مواليد قرية "موشا" في أسيوط عام 1324هـ "1906م" ، تخرج في كلية دار العلوم "بالقاهرة" 1934م ، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ، فترأس قسم نشر الدعوة ، وتولى تحرير جريدتهم "1953 ، 1954" ، له مؤلفات عديدة؛ منها : النقد الأدبي ، العدالة الاجتماعية في الإسلام ، التصوير الفني في القرآن ، ومشاهد القيامة في القرآن ، وتفسيره الرائع في ظلال القرآن.
158 | 396
2- النزعة الأدبية واستخدام المصطلحات التي يستخدمها الأدباء من التصوير بالوصف ، والحشد ، وجرس اللفظ ، ونغم العبارة ، وموسيقى السياق ، والتناسق المعنوي ، والتسلسل النفسي ، ووَحْدَة الحركة ، والتصوير العريض ، ورسم الشخصيات ، وغير ذلك.
3- الاهتمام بقضايا المجتمع الإسلامي دراسة وعرضًا وتحليلًا.
10- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن الكريم :
للشيخ : محمد علي الصابوني.
وقد انتقاه من مصادر تعرضت إلى هذا الموضوع؛ كأحكام القرآن للجصاص وغيره.
والواقع أننا في حاجة إلى تفسير موضوعي ، يتناول الآيات على ترتيب النزول وارتباط النصوص بعضها ببعض ، وتدبر الحقبة التاريخية التي كانت تنزل الآيات فيها؛ لفقه القرآن فقهًا صحيحًا ، فإن فقهه لا يكون في فراغ ولا يستنبت في الهواء. وإن فقيه النفس ليشعر بضرورة المواءمة بين النص والجو الذي نزل فيه ، فهو تعبير واقعي ، وفي الوقت نفسه فيه وعد تحقيق يؤكد صدقه ، ويوضح إعجازه.
159 | 396