باب ما جاء في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا الباب ـ نظير الأبواب التي قبله ـ متعلق بصفة النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية ، والشيب هو تحول لون الشعر من لونه الأصلي ـ السواد أو غيره ـ إلى البياض ، وقد عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة لبيان ما يتعلق بشيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ هل وجد في شعر رأسه أو لحيته شيب ؟ وما مقدار ذلك ؟
والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة ـ وقد ساق المصنف رحمه الله بعضها في هذا الباب ـ أن الشيب الذي وجد في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ يسير جدا ، ونبذ قليلة في ثلاثة مواضع ، أشار إليها أنس رضي الله عنه ؛ حيث قال : " لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما كان البياض في عنفقته ، وفي الصدغين ، وفي الرأس نبذ " أخرجه مسلم 2341 " ، الصدغ هو ما بين العين والأذن ، والعنفقة هي ما بين الذقن والشفة السفلى .
37- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ص74
إِنَّمَا كَانَ شَيْبًا فِي صُدْغَيْهِ وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ ، خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ . " أخرجه البخاري 3550 ، بلفظ " شئ " مكان " شيبا " ، ودون قوله : " ولكن أبو بكر ... " ، وكذا أخرجه مسلم 2341 من طريق ابن سيرين ، عن أنس رضي الله عنه ، وفي آخره : " وقد خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم " ؛ فأضاف عمر " .
- قول قتادة لأنس رضي الله عنه : " هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " أي : هل حصل أن استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضاب ؟ والخضاب هو تغيير لون الشيب بالحناء وبالكتم ، أو نحو ذلك .
- قول أنس رضي الله عنه : " لم يبلغ ذلك " أي : ما وجد من شيبه صلى الله عليه وسلم شئ يسير جدا لا يبلغ أن يخضبه صاحبه بالحناء والكتم .
- قوله : " إنما كان شيبا في صدغيه " أي : إنما كان شيبه صلى الله عليه وسلم شيبا يسيرا في صدغيه ، وتقدم في حديث أنس رضي الله عنه المواضع الثلاثة التي كان فيها شيبه صلى الله عليه وسلم .
- قوله : " ولكن أبو بكر خضب بالحناء والكتم " أي : غير أبو بكر رضي الله عنه الشيب الذي كان فيه بالحناء والكتم ، وهما شجرتان معروفتان تستعملان في الصبغ وتغيير اللون ؛ فالحناء يغير الشيب إلى الحمرة ، والكتم يغيره إلى السواد ، فإذا جمع بينهما بأن يضع قدرا من الحناء وقدرا من الكتم ـ كما ورد في هذا الحديث وغيره ـ تغير لون الشيب إلى لون وسط بين السواد والحمرة ، فلا يكون أسود خالصا ، وقد ورد النهي عن التغيير بالسواد ، ولا يكون كذلك أحمر صرفا ، وإنما يكون بين ذلك .
وفي هذا الحديث نفي أنس رضي الله عنه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خضب شعر رأسه أو لحيته ، وستأتي الإشارة إلى خلاف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ص 75
38- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ . " أخرجه أحمد في المسند 12690 " .
- في هذا الحديث يخبر أنس رضي الله عنه أن الشيب الذي وجد في شعر رأسه صلى الله عليه وسلم ، ولحيته شئ يسير جدا ، بلغ عدده أربع عشرة شعرة . وجاء في الصحيحين " البخاري 5900 ومسلم 2347 " ؛ من طريق ربيع بن أبي عبد الرحمن ، عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " توفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء " أي : لا يبلغ عدد الشيب الذي كان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحيته عشرين شعرة ، وهذا العدد يعتبر عددا يسيرا جدا ، ولهذا قال أنس رضي الله عنه ـ فيما تقدم ـ : " لم يبلغ ذلك " أي : لم يبلغ عدده الحاجة إلى الخضاب لقلته .
39- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ إِذَا دَهَنَ رَأْسَهُ لَمْ يُرَ مِنْهُ شَيْبٌ ، وَإِذَا لَمْ يَدْهِنْ رُئِيَ مِنْهُ. " أخرجه مسلم 2344 " .
- قوله : " كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيب " أي : أن الشيب يختفي مع وجود الدهن ؛ فلا يتبين لقلته ، " وإذا لم يدهن رئي منه " . ص 76
وهذا الحديث يدل على ما دل عليه حديث أنس السابق ، من أن الشيب الذي كان في شعر لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه شعرات يسيرة ، لا تبلغ عشرين شعرة ، فكان إذا دهن لحيته ، أو رأسه اختفى لقلته .
40- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : إِنَّمَا كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. " في إسناده شريك القاضي ، وفي حفظه كلام معروف ، لكن يشهد له حديث أنس المتقدم ، ولا سيما ما جاء في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم " توفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء " .
- فيه أن شيب النبي صلى الله عليه وسلم كان " نحوا من عشرين شعرة بيضاء " أي قريبا منه ، وهو يتفق تماما مع حديثي أنس وجابر المتقدمين .
41- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ شَيْبَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ شِبْتَ ، قَالَ : شَيَّبَتْنِي هُودٌ ، وَالْوَاقِعَةُ ، وَالْمُرْسَلاَتُ ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ .
42- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَاكَ قَدْ شِبْتَ ، قَالَ : ص 77
قَدْ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا . " أخرجه المصنف في جامعه 3297 . من طريقين : أحدهما عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن أبي بكر به ، والآخر عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي جحيفة به . وروي الحديث أيضا من غير هذين الوجهين ، ولهذا عده بعض العلماء في علم مصطلح الحديث من قبيل المضطرب ، ومثل به الحافظ ابن حجر للحديث المضطرب في " النكت على مقدمة ابن الصلاح ، 2/ 774 ، وذكر أنه يروي على أكثر من عشرة أوجه اختلف فيها الرواة على أبي إسحاق السبيعي ، ولهذا أعله بعض أهل اعلم وضعفوه بالاضطراب . "
- الشاهد من الحديثين قوله صلى الله عليه وسلم : " شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " شيبتني هود وأخواتها " أي : أخواتها من سور القرآن التي فيها ذكر لأهوال يوم القيامة وشدائده ، فهذه السور المذكورة فيها وصف لأهوال ذلك اليوم ، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ " إذا الشمس كورت " و " إذا السماء انفطرت " وإذا السماء انشقت " " أخرجه المصنف في جامعه 3333 . " لأن هذه السور تصف تلك الأهوال والشدائد العظيمة التي سيلقاها الناس في ذلك اليوم .
فالشيب اليسير الذي وجد في شعره صلى الله عليه وسلم لم يكن لاهتمام بأمور الدنيا ، أو فوات مصالحها ، أو تعلق بها ، أو رغبة في المزيد منها ، أو نحو ذلك مما هو الحال لدى كثير من الناس ممن يحصل له الشيب بهذا السبب ، بل كان اهتماما لأمر الآخرة .
- قوله : " قد شبت " أي : ظهر الشيب في شعرك ، والمراد هو السؤال عن ص 78
سبب ذلك .
- قوله : " قد شيبتني هود وأخواتها " أي : أن سبب هذا الشيب إنما هو الاهتمام باليوم الآخر . وفيه بيان لعظم أثر القرآن ، وكبر منفعته لمن تدبره ، وعقل معانيه ، وعرف دلالاته ، فمن فعل ذلك حصل له الأثر البالغ في صلاحه ، وزكاته ، وفلاحه في دنياه وأخراه .
فمن تدبر القرآن حق تدبره ؛ ربطه باليوم الآخر ، وصرف اهتمامه وعنايته لذلك اليوم العظيم ، دون تفويت لمصالحه الدنيوية ، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا " أخرجه المصنف في جامعه 3502 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما " وهذا يفيد أن الإنسان لا بأس أن يهتم بدنياه ومصالحه ومعاشه وحاجاته وحاجات أولاده ، لكن الخطأ أن تطغى اهتماماته الدنيوية على الأمر الذي خلق لأجله وهو توحيد الله تعالى ، والاستعداد للقائه ، والتزود ليوم المعاد .
ونستفيد منه أيضا أن القرآن طب للقلوب ، وشفاء للنفوس ، وصلاح للأحوال ، فكلما كان للعبد عناية بالقرآن تدبرا وتأملا لمعانيه ودلالاته أوجد فيه صلة بالله واهتماما باليوم الآخر ، واستعدادا وتهيئا وتزودا لذلك اليوم العظيم ، ومن آخر ما نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " المائدة 281 .
فمن تدبر القرآن حق تدبره أورثه التقوى والتزود ليوم الميعاد والاستعداد له ، بخلاف حال من شغلته الدنيا ؛ فأصبحت أكبر همه ، ومبلغ علمه فيشيب من أجلها , ص 79
ولأجلها يمرض ويغتم ويهتم فيصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار ، والدرهم ، والقطيفة ، والخميصة ؛ إن أعطي رضي ، وإن لم يعط لم يرض " أخرجه البخاري 2886 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "
43- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَنْبَأَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ ، تَيْمِ الرَّبَابِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي ابْنٌ لِي ، قَالَ : فَأَرَيْتُهُ ، فَقُلْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ : هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ عَلاَهُ الشَّيْبُ ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ. " في إسناده شعيب بن صفوان ، قال عنه الحافظ في " التقريب " : " مقبول " والمقبول لا يحتج بحديثه إلا إذا وجد له متابع ، ولم يوجد له متابع ، بل وجد له مخالفون ، ويقوي هذا أن بعض رواياته ـ كما سيأتي ـ ليس فيه لفظ " قد علاه الشيب " .
- قول أبي رمثة التيمي رضي الله عنه : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي ، قال : فأريته " أي : أريت النبي صلى الله عليه وسلم ، قد يكون هذا المجئ أول مجئ له إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلم يكن يعرفه فسأل عنه ، فقال لما رآه : " هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم " يتحقق ، " وعليه ثوبان أخضران " مثل إزار ورداء ، ولا يلزم من قوله : " أخضران " الأخضر الخالص ، وإنما قد تكون خضرة من سواد ، مثل البرود اليمانية .
- قوله : " وله شعر قد علاه الشيب " هذا موضع الشاهد من الحديث ، وفيه احتمالان :
أحدهما : يحتمل أن يكون المراد وصف شيبه صلى الله عليه وسلم بالكثرة ، فإن كان كذلك فهو مخالف للأحاديث السابقة المفيدة قلة شيبه صلى الله عليه وسلم . ص 80
والثاني : أن يكون المراد وجود الشيب ، فإن كان كذلك فهو يتفق مع الأحاديث المتقدمة في بيان قلة شيبه ، وهو الأولى .
- قوله : " وشيبه أحمر " ثل هذه الحمرة من آثار الخضاب ؟ أو من آثار الدهن ؟ قد سبق من الأحاديث ما يشهد للثاني في قول جابر رضي الله عنه : " كان إذا دهن رأسه لم ير منه شيب ، وإذا لم يدهن رئي منه " .
44- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ ؟ قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ إِلَّا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، إِذَا ادَّهَنَ وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ. "
- ختم المصنف رحمه الله هذه الترجمة بهذا الحديث عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه سأله سماك بن حرب قائلا : " أكان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب " ؟ السؤال هنا عن الشيب في شعر الرأس ، وليس عن شعر اللحية ولا غيره ، ويطلق الرأس على شعر الرأس ، والإبط على شعر الإبط ، والعانة على شعر العانة ، والصدغ على شعر الصدغ ، والذقن على شعر الذقن وهكذا . فقول الله تعالى حكاية عن موسى وأخيه ـ عليهما السلام ـ " قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي " طه : 94 أي بشعر رأسي ، كما ذكر المفسرون .
- فقول السائل : " أكان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب " يعني : هل كان في ص 81
شعر رأسه شيب ؟ فأجابه جابر رضي الله عنه يقوله : " لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعرات في مفرق رأسه " , ومفرق الرأس ، وهذا المعنى يتفق تماما مع ما سبق من قول أنس رضي الله عنه : " إنما كان البياض في عنفقته ، وفي الصدغين ، وفي الرأس نبذ " يعني : شئ يسير جدا .
- قوله : " إذا ادهن واراهن الدهن " يعني : من قلتهن أنه صلى الله عليه وسلم إدا دهن رأسه بزيت أطيب أو نحو ذلك لم يتبين الشيب ، بل يختفي مع الدهن .
* فائدة : وصف الصحابة رضي الله عنهم لشيب النبي صلى الله عليه وسلم الذي في رأسه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسر عن رأسه أحيانا ؛ بل إنه قد يكون واجبا كمن أراد أن يمسح على رأسه أثناء الوضوء ؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكذلك في الحج حال الإحرام .
* فائدة أخرى : الشيب نذير لصاحبه ، ومؤذن بدنو الأجل ، قال الشاعر " العمر والشيب لابن أبي الدنيا 62 " :
ألا فامهد لنفسك قبل موت فإن الشيب تمهيد الحمام
وقد جد الرحيل فكن مجدا بحط الرحل في دار المقام
نسأل الله طيب العمل وحسن الختام . ص 82