باب ما جاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه
عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة لبيان أن السنة في الخاتم أن يكون في اليد اليمنى ـ وهو اختياره رحمه الله ـ حيث ساق روايات عديدة في ذلك ، وأعل الرواية التي جاء فيها أن خاتمه صلى الله عليه وسلم كان في يساره .
ومن يتأمل ما ورد في هذا الباب يجد روايات تفيد تختمه صلى الله عليه وسلم في يمينه ، وروايات أخرى تفيد تختمه في يساره ، قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد " 1/ 134 " : " واختلفت الأحاديث ؛ هل كان في يمناه أو يسراه ، وكلها صحيحة السند " ، وقد أحسن الحافظ العراقي حيث نظم ذلك فقال :
يلبسه كما روى البخاري في خنصر يمين أو يسار
كلاهما في مسلم ويجمع بأن ذا في حالتين يقع
وأما الحكم في المسألة من حيث هو فيقول النووي رحمه الله " شرح صحيح مسلم 14، 72ـ 73 " : أجمعوا على جواز التختم في اليمين ، وعلى جوازه في اليسار ، ولا كراهة في واحدة منهما ؛ واختلفوا ص 134
أيتها أفضل ؟ فتختم كثيرون من السلف في اليمين ، وكثيرون في اليسار ، واستحب مالك اليسار ، وكره اليمين ، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا : الصحيح أن اليمين أفضل ؛ لأنه زينة ، واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام " .
95- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالاَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ ، عَنِ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ. " أخرجه أبوداود في سننه 4226 ، وفي إسناده شريك بن عبد الله بن نمر ، وهو صدوق يخطئ ، ولكن للحديث ما يشهد له ، كما سيأتي عند المصنف رحمه الله . "
96- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، نَحْوَهُ.
- أورد المصنف رحمه الله هذا الحديث من طريقين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيان أن خاتم النبي كان في يمينه ، هذا منطوق الحديث ومفهومه أن الخاتم لم يكن في اليسار ، وقد اعتبر بعض العلماء هذا المفهوم ، فقالوا : السنة أن يلبس الخاتم في اليمين لا اليسار ، بينما يرى بعض أهل العلم عدم اعتبار المفهوم ؛ لمعارضته لمنطوق حديث آخر يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم في يساره ، وهو ما رواه مسلم في صحيحه " 2095 " عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه ، وأشار إلى الخنصر من يده ص 135
اليسرى " , ومعلوم أن المفهوم لا يقوى لمعارضة المنطوق ، وجمعوا بين الحديثين بفعله الأمرين .
97- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي رَافِعٍ ، يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. " أخرجه المصنف في جامعه 1744 ، وقال : " قال محمد بن إسماعيل : هذا أصح شئ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي رافع ، وهو مقبول ، لكن تابعه عبد الله بن محمد بن عقيل في الحديث الآتي بعده "
98- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. " في إسناده إبراهيم بن الفضل متروك ـ كما قال الحافظ في التقريب ـ ؛ وقال البخاري والنسائي وأبو حاتم : " منكر الحديث " وقال الدارقطني والأزدي : متروك ."
- حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه هو بمعنى حديث على رضي الله عنه المتقدم .
99- حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. " إسناده ضعيف جدا ؛ لأن فيه عبد الله بن ميمون ، وهو متروك الحديث ."
- حديث جابر رضي الله عنه هو بمعنى ما سبق . ص 136
100- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الصَّلتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَلاَ إِخَالُهُ إِلَّا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. " أخرجه المصنف في جامعه 1742 ، وأبو داود في السنن 4229 ، وفي إسناده الصلت بن عبد الله ، وهو مقبول ، وتشهد له الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب " .
- حديث ابن عباس رضي الله عنهما هو أيضا بمعنى الحديث السابق .
101- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. " أخرجه مسلم 2091 " .
- قوله : " وجعل فصه مما يلي كفه بمعنى : أن فص الخاتم لا يكون ظاهرا ، وإنما يكون من جهة باطن الكف وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ الخاتم للزينة ، وإنما اتخذه للحاجة .
- قوله : " ونقش فيه " محمد رسول الله " ، ونهى أن ينقش أحد عليه " ، وهذا فيه أن نقش الإنسان الذى يميز خاتمه يكون خاصا به ؛ فليس لأحد أن يحاكيه فيه ؛ لأنه يحدث لبسا .
وهذا أيضا يبين خطورة التزوير في الختوم ، وهو نوع من الغش يترتب عليه ص137
جرائم في النواحي العلمية ، أو النواحي التجارية ، أو غيرهما من المجالات .
- قوله : " وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس " تقدم أنه سقط من يد عثمان رضي الله عنه ، وقيل في الجمع بين الحديثين : لعل عثمان رضي الله عنه مد الخاتم لمعيقيب رضي الله عنه ليختم به أو لحاجة ، ثم لما عاد ليناوله إياه سقط في البئر .
ومعيقيب هو ابن أبي فاطمة الدوسي ، من السابقين الأولين ، قد شهد المشاهد كلها ، وكان رضي الله عنه ولي بيت المال لعمر رضي الله عنه .
102- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا. " أخرجه النسائي 5204 "
- وهذا يفيد أن الأمر في ذلك واسع ؛ إن شاء تختم في يمينه ، وإن شاء تختم في يساره ، فبكل ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
103- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَهُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ " أخرجه المصنف في جامعه 1743 ، وهو منقطع "
وَقَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ص138
كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ أَيْضًا.
- لكن تقدم أنه ثبت في " صحيح مسلم " من حديث ثابت ، عن أنس رضي الله عنه أنه قال : " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه ، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى " .
104- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَمِينِهِ ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَطَرَحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : لاَ أَلْبَسُهُ أَبدًا فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. " أخرجه البخاري 5865 ، ومسلم 2091 ، والمصنف في جامعه 1741 "
ختم رحمه هذا الترجمة بهذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ، وذلك في أول الأمر ، ثم نسخ ، ولهذا طرحه صلى الله عليه وسلم ، وطرحه الناس ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ألبسه أبدا " . فخاتم الذهب لا يحل للرجال ، وإنما رخص لهم في خاتم الفضة ، كما تقدمت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
* فائدة : قال النووي رحمه الله : " أجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر ، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع " شرح صحيح مسلم 14/ 71 " أي في أي أصبع شاءت من يدها ؛ لأنها تتخذه للزينة والتجمل . ص 139