باب ما جاء في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم
- عقد المصنف رحمه الله هذه الترجمة لبيان صوم النبي صلى الله عليه وسلم الواجب والمستحب ، سواء ما كان منه متكررا بتكرر الأسابيع كصيام الاثنين والخميس ، أو كان متكررا بتكرر الشهور ؛ وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، أو كان متكررا بتكرر السنوات ، ومنه صيام شهر رمضان ؛ وهو ركن من أركان الإسلام ، وكذلك صيام بعض الأيام كصيام يوم عاشوراء ونحو ذلك .
والصوم أصله في اللغة : الإمساك والمنع وحبس النفس ، وهو في الشرع الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
والصيام مدرسة تربوية إيمانية يتلقى فيه أهل الإيمان العبر العظيمة والدروس البالغة ، ولهذا قال الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة ، فهو طاعة جليلة تغرس في القلوب تقوى الله ، وتحيي في القلوب قوة الصلة بالله تعالى ، وتبعث في النفوس البعد عن الحرام واتقاء الآثام ، وهو جنة لصاحبه .
والصيام نوعان : ص 324
صوم عن المفطرات التي هي الطعام والشراب وشهوة الفرج ، فهذا فرض على العباد في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في كل يوم من أيامه .
وصوم عن الحرام والآثام ، وهذا واجب في جميع الأوقات ، ولهذا كان على كل جارحة من جوارح العبد صيام ؛ فالأذن عليها صيام وهو الكف عن سماع كل محرم ، واللسان عليه صيام وهو البعد عن الآثام ؛ من الكذب والغيبة والنميمة والسخرة ونحو ذلك ، وقس على ذلك سائر الأعضاء .
298- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ . قَالَتْ : وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلاً مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا رَمَضَانَ. " أخرجه مسلم 1156 ، والمصنف في جامعه 768 "
- قولها : " كان يصوم حتى نقول قد صام " أي : يستمر صائما في الأيام حتى يقول بعضنا لبعض ، أو نحدث أنفسنا ، ونقول : مضى واستمر صائما .
- قولها : " ويفطر حتى نقول قد أفطر " أي : يستمر أياما مفطرا حتى نقول : سوف يمضي مفطرا ، قولها : " وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان " ، لما أشارت في أول الحديث إلى كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم نبهت أنه مع كثرة صيامه في بعض الشهور : مثل المحرم ، ومثل شعبان ؛ لم يصم شهرا تاما كاملا إلا رمضان .
- قولها : " منذ قدم المدينة " خصت هذا الوقت بالذكر ؛ لأنه الوقت الذي ص 325
299- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَرَى أَنْ لاَ يُرِيدَ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ ، وَيُفْطِرُ مِنْهُ حَتَّى نَرَى أَنْ لاَ يُرِيدَ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا . وَكُنْتَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَ رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَ رَأَيْتَهُ نَائِمًا. " أخرجه البخاري 1141 , والمصنف في جامعه 768 " .
- وهذا اعتدال وتوسط ؛ فلا صيام مستمر ، ولا فطر أيضا مستمر ، بل صوم وفطر ، يبدأ الشهر صائما ويستمر فيه حتى يظنوا أنه سيتم الشهر كله صائما ، ويفطر صلى الله عليه وسلم أحيانا ويستمر فيه حتى يظنوا أنه يستمر مفطرا إلى تمام الشهر .
- قوله : " وكنت لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ، ولا نائما إلا رأيته نائما " أي : كان صلى الله عليه وسلم معتدلا في لياليه ، يعطي النوم حظه ، والصلاة حظها ، فلا إفراط ولا تفريط .
وأنس رضي الله عنه سئل عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقط فأجاب السائل عن سؤاله وزاده خيرا لعلمه أنه يحتاج إليه ، وهذا من السخاء في بذل العلم .
300- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ ، وَمَا صَامَ ص 326
شَهْرًا كَامِلاَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا رَمَضَانَ. أخرجه البخاري 1971 ، ومسلم 1157"
- حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، هو بمعنى حديثي عائشة وأنس المتقدمين .
301- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلاَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا إِسنَادٌ صَحِيحٌ وَهَكَذَا قَالَ : عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ رَوَى الْحَدِيثَ ، عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ جَمِيعًا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " أخرجه المصنف في جامعه 736 ، وأبوداود في سننه 2336 ، وابن ماجه في سننه 1648 "
قال أبو عيسى : هذا إسناد صحيح ، وهكذا قال : عن أبي سلمة ، عن أم سلمة ، وروى هذا الحديث غير واحد ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى الحديث ، عن عائشة وأم سلمة جميعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
- فيه أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتالين إلا شعبان ورمضان ، أما صيامه صلى الله عليه وسلم رمضان كاملا فهو أمر واضح ، وأما شعبان ؛ فإن الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم هو صيام أكثره لا كله ، وقد مر قريبا حديث عائشة وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان ، فيحمل قول أم سلمة رضي الله عنها " يصوم شهرين متتابعين " أي : غالب شعبان ، وكامل رمضان ، وسيأتي ما يوضحه في الحديث الذي يليه .
302- حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا ص 327
أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ لِلَّهِ فِي شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ. " أخرجه البخاري 1969 ، ومسلم 1156 ، والمصنف في جامعه 737 " .
- أورد المصنف رحمه الله هذا الحديث في جامعه ثم قال : " وروى عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث قال : هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر كله ، ويقال : قام فلان ليله أجمع ، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره ، كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين ، يقول : إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر " .
ويوضح ذلك لفظ الحديث عند مسلم في صحيحه 1156 فإنه رواه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، فاستثنت بقولها " إلا قليلا " بعد قولها : " كان يصوم شعبان كله " , ولهذا قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث : " الثاني تفسير للأول " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 8/ 37 ".
أي : قولها " إلا قليلا " مفسر لقولها : " يصوم شعبان كله " .
303- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، وَطَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ ، عَنْ شَيْبَانَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنُ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَامٍ وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. " أخرجه أبوداود 2450 ، وابن ماجه 1725 . ص 328
- في هذا الحديث حث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وفي هذا الصيام فضل عظيم جاء في " مسند الإمام أحمد 7577 وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صوم شهر الصبر ـ شهر رمضان ـ ، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؛ صوم الدهر " ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها .
وهذه الأيام الثلاثة إن شئت صمتها من أول الشهر ، أو من وسطه ، أو من آخره ، مجتمعة أو متفرقة ؛ ففي " صحيح مسلم 1160 عن معادة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم ، فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم " .
- قوله : " يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام " : من بدايته ، وهذا يحمل على بعض الشهور لا جميع الشهور .
- قوله : " وقلما كان يفطر يوم الجمعة " أي : أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيامه ، وليس معنى هذا أنه كان يفرده بالصيام ، لما رواه البخاري 1985 وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " ، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صوم الاثنين والخميس .
304- حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ ص329
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. " أخرجه المصنف في جامعه 745 ، وابن ماجه في السنن 1649 " .
- فيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيام هذين اليومين : الاثنين والخميس ، والحكمة من ذلك مذكورة في الحديث الآتي :
305- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. " أخرجه المصنف في جامعه 747 ، وفي سنده محمد بن رفاعة ، وهو مقبول ، لكن للحديث شاهد يتقوى به من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، وينظر " الإرواء " 948ـ 949 " .
- أي : أنه يصوم هذين اليومين ؛ لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يعرض عمله وهو صائم ، فعمل الليل يرفع قبل النهار ، وعمل النهار يرفع قبل الليل ، وأعمال الأسبوع تعرض في يومي الاثنين والخميس ، وأعمال السنة تعرض في شهر شعبان .
وجاء في " صحيح مسلم " 1162 أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : " ذاك يوم ولدت فيه " ، وهذه حكمة أخرى لصيام يوم الاثنين .
306- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالا : ص 330
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالأَحَدَ وَالاَثْنَيْنَ ، وَمِنَ الشَّهْرِ الآخَرِ الثُّلاَثَاءَ وَالأَرْبَعَاءَ وَالْخَمِيسَ. " أخرجه المصنف في جامعه 746 ، ثم قال : " وروى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه " ، وقال الحافظ في الفتح " : " وهو أشبه " أي : عدم رفع الحديث أشبه من رفعه . "
- في هذا الحديث بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وإذا كانت هذه الأيام أيام البيض ـ مثلا ـ فإنها تختلف من شهر لآخر ، ففي شهر توافق السبت والأحد والاثنين ، وفي شهر آخر توافق الثلاثاء والأربعاء والخميس ، وهكذا .
وهذا يدل أن يوم السبت إذا وافق أيام البيض ، أو يوم عرفة ، أو يوم عاشوراء ، أو صيم مع يوم الجمعة ؛ فلا حرج في صيامه ، وإنما ينهى عن صيامه إذا قصد تخصيصه بالصيام ، قال ابن تيمية : " وعلى هذا فيكون قوله : " لا تصوموا يوم السبت " أي : لا تقصدوا صيامه بعينه إلا في الفرض " اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 77 "
307- حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الْمَدِينِيُّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ فِي شَعْبَانَ. " انظر ح 302 "
- هذا يبين ما سبق في حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله إلا قليلا . ص 331
308- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاذَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ. قُلْتُ : مِنْ أَيِّهِ كَانَ يَصُومُ ؟ قَالَتْ : كَانَ لاَ يُبَالِي مِنْ أَيِّهِ صَامَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى : يَزِيدُ الرِّشْكُ هُوَ يَزِيدُ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَةِ ، وَهُوَ يَزِيدُ الْقَاسِمُ وَيُقَالُ : الْقَسَّامُ ، وَالرِّشْكُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ هُوَ الْقَسَّامُ. " أخرجه مسلم 1160 ، والمصنف في جامعه 763 " .
- قال أبو عيسى : يزيد الرشك هو يزيد الضبعي البصري ، وهو ثقة ، روى عنه شعبة ، وعبد الوارث بن سعيد ، وحماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم ، وغير واحد من الأئمة ، وهو يزيد القاسم ، ويقال : القسام ، والرشك بلغة أهل البصرة هو القسام .
- فيه أنه لا حرج على العبد في الثلاثة أيام المستحب صيامها من كل شهر أن يصومها في أي وقت من الشهر ؛ من أوله أو من وسطه أو من آخره ، لهذا قالت : " كان لا يبالي من أيه صام " .
309- حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ هُوَ الْفَرِيضَةُ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. " أخرجه البخاري 1592 ، ومسلم 1125 ، والمصنف في جامعه 753 " ص 332
- يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وصيامه شكر لله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه ، فصامه موسى عليه السلام شكرا لله تعالى ، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون شكرا لله تعالى .
- قولها : " كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية " لعل صيام عاشوراء في الجاهلية من الأمور التي بقيت عندهم مما لم يتبدل من دين إبراهيم عليه السلام ، " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه " أي : استمر على صيامه ، " وأمر بصيامه " وجاء في الصحيح " أخرجه البخاري 2004 " وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يوضح هذا الأمر فقال : " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال : فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " .
- قولها : " وأمر بصيامه يدل على أن صيام يوم عاشوراء في بدء الأمر كان على سبيل الايجاب ؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب ، " فلما افترض رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه " فصار صيام يوم عاشوراء بعد فرض رمضان مستحبا وليس فرضا .
والسنة في صيام عاشوراء أن يصام اليوم التاسع معه مخالفة لليهود لما رواه مسلم في صحيحه 1134من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " . ص 333
ثم إن من الأمور التي قدرها الله تعالى في ذلك اليوم أن الحسين رضي الله عنه ـ وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة ، ولهما من الفضل والمكانة والمحبة في قلوب المؤمنين ما لا يخفى ـ قدر الله تعالى أن يقتل في يوم عاشوراء ظلما ، فترتب على ذلك نشأة بدعتين لا أصل لهما :
البدعة الأولى : بدعة اتخاذ يوم عاشوراء يوم مناحة ، ومأتما على قتله ظلما ، والاجتماع فيه على النياحة ، ولطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بدعوى الجاهلية .
والبدعة الأخرى مقابلة للأولى : اتخاذ يوم عاشوراء يوم توسعة على الأولاد والعيال بالحلوى والطعام والزينة ، ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام في " منهاج السنة 2/ 322
: " وصار الشيطان بسبب قتل الحسن رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين :
بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء ؛ من اللطم والصراخ ، والبكاء ، والعطش ، وإنشاد المراثي ، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنتهم وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب ، حتى يسب السابقون الأولون ، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب ، وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة ؛ فإن هذا ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله ،وكذلك بدعة السرور والفرح .." اهـ .
310- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ : ص334
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّ مِنَ الأَيَامِ شَيْئًا ؟ قَالَتْ : كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيقُ. " أخرجه البخاري 1987 ، ومسلم 783 "
- هذا الحديث حديث عام في سائر العبادات ،ولا يختص بباب الصيام ، ولعل المصنف رحمه الله أورده في هذه الترجمة للإفادة منه في مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان يصومه من تطوع ، إذ كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة ، أي : يداوم على العمل الذي يفعله .
- قول علقمة في سؤاله لعائشة : " أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص من الأيام شيئا "
أي : هل كان صلى الله عليه وسلم يخص يوما من الأيام بشئ من تطوع الصلاة ، أو تطوع الصيام ، أو أي نوع من تطوع العبادات ؟
- قالت : كان عمله ديمة " أي : إذا عمل عملا داوم عليه ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ، فالمداومة على العمل القليل ، والاستمرار عليه خير من العمل الكثير الذي يفعله الإنسان مرة أو مرتين ثم ينقطع ، ولهذا ينبغي على المسلم في باب التطوع أن ينظر من ذلك ما يطيق حتى لا يمل من عبادة الله ؛ فإن الله لا يمل حتى يمل العبد ؟
- قولها : " وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق " أي : أن الله تعالى من على نبيه بالصبر والمرابطة والمجاهدة ما لا يطيقه غيره ، فكان أكمل عباد الله تعالى عبودية لله ، ومداومة على العمل ، وإحسانا فيه ، وخشوعا ، وإقبالا على الله جل وعلا ص 335
311- حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ قُلْتُ : فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَكَانَ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. " أخرجه البخاري 43 ، ومسلم 785 " .
- قولها : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة " قيل : اسمها الحولاء ، وأنها من رهط أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها .
- " فقال : من هذه ؟ قلت : لا تنام الليل " أي : أنها تمضي ليلها قائمة لله تعالى فلا تنام ، " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم من الأعمال ما تطيقون " ؛ لأن الجسم مهما نشط للطاعة ؛ فإنه يلحقه النصب والتعب فيحتاج إلى راحة ، فلا يحمل الإنسان جسمه ما لا يطيق ، وبعض الناس في بداية استقامته يحمل نفسه ما لا يطيق ، ثم بعد أيام يبدأ يحس أن ذلك ثقيل عليه فينقطع ، فالمناسب في باب النوافل أن يأخذها بحسب ما يطيق ، ويتدرج في ذلك حتى يزداد .
- قوله : " فوالله لا يمل الله حتى تملوا " ، وقاعدة أهل السنة في هذا الباب : إمرار ما جاء عن الله ، وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم مما يضيفه الله تعالى إلى نفسه كما جاء ، مع تنزيه الله ـ تبارك وتعالى ـ عن مشابهة المخلوقات فالله تعالى " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " سورة الشورى ، فالقول في قوله صلى الله عليه وسلم : " لايمل الله حتى تملوا " ص 336
كالقول في نحو قول الله تعالى : " الله يستهزئ بهم " البقرة 15 ، وقوله تعالى " سخر الله منهم " التوبة 79 ، ونحو ذلك مما هو من باب الجزاء على وجه المقابلة .
- قوله : " وكان أحب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه " العمل الذي يداوم عليه صاحبه وإن قل أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمل الكثير الذي ينقطع عنه صاحبه .
312- حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ، أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتَا : مَا دِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ. " أخرجه المصنف في جامعه 2856 "
- وهو بمعنى ما سبق ، وهو يعد قاعدة عظيمة في باب التطوع ، وهي أن يأخذ من العبادات ما يقدر على الاستمرار عليه .
313- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ حُمَيْدٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَاسْتَاكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ فَلاَ يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ ، وَلاَ يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ ، وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ ، وَيَقُولُ ص 337
فِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً سُورَةً يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. " أخرجه أبوداود في السنن 873 "
- هذا الحديث ـ كما هو واضح ـ ليس له علاقة بباب صوم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرب ـ والله تعالى أعلم ـ للباب الذي يتعلق بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم وقيامه من الليل .
- قوله : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فاستاك ثم توضأ " كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يستاك قبل الوضوء ، وكذلك يستاك قبل الصلاة ، ففي صحيح مسلم 252 عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " ، ولا حرج من الاستياك في المسجد ، قال شيخ الإسلام " مجموع الفتاوي 22/ 201 " : " أما السواك في المسجد فما علمت أحدا من العلماء كرهه ، بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد " ، ومن الخطأ أن يشتغل الإنسان بالسواك حتى تفوته تكبيرة الإحرام .
- قوله : " فبدأ فاستفتح البقرة " يعني : بدأها من أولها ، " فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ " أي : يوقف القراءة ويسأل الله ، فلو مر مثلا بآية فيها ذكر رحمة من نعيم ، أو ثواب ، أو نحوه أوقف القراءة ،وسأل الله ، " اللهم إني أسألك من فضلك " ، ثم يمضي في القراءة ، وإذا مر بآية فيها ذكر سخط ، أو عذاب أوقف القراءة ، وتعوذ بالله ، " اللهم إني أعوذ بك من سخطك " .
ومثل هذا إنما يكون عن تدبر في معاني القرآن ، أما إذا كان الإنسان يراعي ص 338
جمال الصوت ، وجمال الأداء فقط ، ولا يتأمل في المعاني ؛ فإنه لا يحصل منه ذلك .
وهذا الحديث دليل على مشروعية هذا العمل واستحبابه ، ولا سيما في صلاة النافلة ، وهو أن يقف عند الآيات التي فيها ذكر العذاب ليتعوذ بالله من عذابه ، ويقف عند الآيات التي فيها ذكر الرحمة ليسأل الله من فضله .
- قوله : " ثم ركع فمكث راكعا بقدر قيامه " أي : قدر قراءة سورة البقرة كاملة ، " ويقول في ركوعه : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " ، وهذا تسبيح عظيم يستحب للمسلم أن يقوله في ركوعه وفي سجوده ؛ وقوله " سبحان " معناه التنزيه لله ـ جل وعلا ـ عما لا يليق به من النقائص والعيوب ، وعن مشابهة المخلوقات ، ومن أسماء الله الحسنى السبوح .
-قوله : " ذي الجبروت " من الجبر ، ومن أسماء الله الحسنى الجبار ، أي : ذو الجبروت ، فهو سبحانه الجبار الذي يجبر القلوب المنكسرة ، والجبار الذي يبطش بأعدائه .
- قوله : " والملكوت " أي : ذي الملك ، ومن أسماء الله الحسنى الملك ، فهو الذي له ملك كل شئ .
- قوله : " والكبرياء والعظمة " وصفان لله تعالى خاصان به ـ جل جلاله ـ ، فمن أدعى لنفسه العظمة أو الكبرياء عذبه الله يوم القيامة .
- قوله : " ثم سجد بقدر ركوعه " أي : سجد سجودا طويلا بقدر الركوع الذي ركعه ، " ويقول في سجوده : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " . ص339
- قوله : " ثم قرأ آل عمران " أي : أنه صلى الله عليه وسلم لما قام للركعة الثانية قرأ سورة آل عمران كاملة ، " ثم سورة سورة " أي : ثم قرأ سورة سورة ، " يفعل مثل ذلك في كل ركعة " يعني : يركع بقدر القيام ، ويسجد بقدر الركوع ، ويجلس جلسة الاعتدال بقدر ذلك ، وفي رفعه من الركوع مثل ذلك . ص 340