باب ما جاء في صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإدام والأدم : ما يؤتدم به ، وهو ما يؤكل بالخبز أيا كان ، وسمى بذلك ؛ لأنه يجعل الخبز ملائما للإنسان ويصلحه له . والترجمة التي قبل هذه في خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الترجمة في إدامه صلى الله عليه وسلم ، وذكر الإدام بعد الخبز من تمام الملاءمة .
151- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فِي حَدِيثِهِ : نِعْمَ الإِدَامُ أَوِ الْأُدْمُ الْخَلُّ. " أخرجه مسلم 2051 ، والمصنف في جمعه 1840 .
- فقوله : " نعم الإدام الخل " الخل معروف ، وتختلف أنواعه باختلاف المخلل نفسه زيتونا كان أو جزرا ، أو غير ذلك . ومعلوم أن في أنواع الإدامات ما هو أفضل من الخل ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ص187
باعتبار الموجود ، وفيه أيضا تطييب لخاطر آل بيته كما يدل عليه سبب ورود الحديث ، وهو ما رواه مسلم في صحيحه 2052 عن جابر رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلقا من خبز ، فقال " ما من أدم ؟ " ، فقالوا : لا ، إلا شئ من خل ، قال : " فإن الخل نعم الأدم " ، قال جابر : فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وقال طلحة : ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر . ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : " نعم الإدام الخل " : " وهذا ثناء عليه ـ أي : الخل ـ بحسب مقتضى الحال الحاضر ، لا تفضيل له على غيره ، كما يظن الجهال ، وسبب الحديث أنه دخل على أهله يوما ... " " زاد المعاد 4/ 219 " ، وذكر الحديث المتقدم .
152- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ : أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئِتُمْ ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ. " أخرجه مسلم 2977 ، والمصنف في جامعه 2372 " .
- يذكر النعمان بن بشير رضي الله عنه من بقي من الصحابة ، ويذكر كذلك التابعين بنعمة الله عليهم ، فيقول : " ألستم في طعام وشراب ما شئتم " أي : إن ما تشتهونه من أنواع الأطعمة والأشربة متيسر لكم .
- وقوله : " لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم " وإنما قال : نبيكم لتذكيرهم بمنة الله عليهم ص 188
باتباعه صلى الله عليه وسلم والإيمان به ، وهو أدعى لاستحضار المعنى الذي يذكرهم به .
- قوله : " وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه " الدقل : هو ردئ التمر ، أراد رضي الله أن يذكرهم بهذه النعم العظيمة ، والرزق الواسع الذي أكرمهم الله تعالى به .
153- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نِعْمَ الإِدَامُ أَوِ الْأُدْمُ : الْخَلُّ. " أخرجه المصنف في جامعه 1839 " .
- هذا الحديث مثل حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم .
154- حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، فَأُتِيَ بِلَحْمِ دَجَاجٍ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُهَا تَأْكُلُ شَيْئًا فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهَا قَالَ : ادْنُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ. " أخرجه البخاري 5517 ، ومسلم 1649 " .
- قوله : " إني رأيتها تأكل شيئا " وفي بعض النسخ : " إني رأيتها تأكل نتنا " فلم يعينه حتى لا يجعل الحاضرين يتقذرون الطعام ، وتعافه نفوسهم ، فالإنسان إذا لم يطب له الطعام فإنه يكفيه أن يقول : أجدني أعافه ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الضب ، أو نحو ذلك ، لا أن يذم الطعام عند آكليه ؛ لأن بعض الناس إذا عيب الطعام عنده عافته نفسه .
- قوله :" فحلفت أن لا آكلها " ، قد يكون حلف أن لا يأكلها من هول المنظر ص 189
- الذي رآه ، وقد يكون حلف حتى لا يضطر فيما بعد إلى أكلها .
- قوله : " ادن ؛ فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج " في هذا حب الصحابة رضي الله عنهم لما كان يأكله صلى الله عليه وسلم من الطعام ، ويدل أيضا على لحم الدجاج مباح ، وقد أكله النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي أن يكون في النفس منه شئ .
أما إذا كانت الدجاجة تأكل من القاذورات والأوساخ حتى أثر في لحمها وأصبحت جلالة فمثل هذه ينهى عن أكلها ؛ لما رواه أبو داود وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها " ، سواء في ذلك بهيمة الأنعام ، أو الدجاج ونحوه ، فإذا كانت الدجاجة بهذه الصفة ؛ فإنها لا تؤكل وإنما تحبس ثلاثا عن هذا الأكل ، ويقدم لها الطعام الطيب ، والغذاء الطيب حتى يطيب لحمها ، ثم بعد ذلك تؤكل .
155- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى. " أخرجه المصنف في جامعه 1728 ،وأبوداود في سننه 3797 ، وإسناده غير ثابت ؛ فإن شيخ المصنف الفضل بن سهل الأعرج صدوق ، وإبراهيم بن عمر بن سفينة ويلقب بـ : " بريه " مستور ، لا يعرف إلا بهذا الحديث ، ولم يتابع عليه ؛ قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 380 :" إسناده ضعيف ، ضعفه العقيلي وابن حبان " .
- والحباري طائر معروف ، رمادي اللون ، طويل العنق ، وفي منقاره شئ من ص 190
الطول ، وليس من ذوات المخالب ، وحكم آكله حلال على الأصل ؛ حيث لم يرد في الشرع ما يدل على تحريمه ، وحديث الترجمة غير ثابت .
156- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : فَقَدَّمَ طَعَامَهُ وَقَدَّمَ فِي طَعَامِهِ لَحْمَ دَجَاجٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى قَالَ : فَلَمْ يَدْنُ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : ادْنُ ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهُ ، فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ أَطْعَمَهُ أَبَدًا.
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وقد تقدم ، وساقه هنا من طريق أخرى .
157- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ : لَهُ عَطَاءٌ ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. " أخرجه المصنف في جامعه 1852 ، وفي إسناده رجل من الشام يقال له : عطاء ، مقبول ، فلا يحتج بحديثه إلا إذا وجد له متابع ، لكن الحديث يشهد له حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الآتي بعده .
- قوله : " كلوا الزيت " أي اتخذوه إداما يؤكل مع الخبز ، وقوله : " وادهنوا به " أي : ادهنوا به الشعر والبشرة ، قوله : " فإنه من شجرة مباركة " أي : شجرة الزيتون مباركة لكثرة نفعها ، ويكفي دلالة على فضلها أن الله تعالى أقسم بها في القرآن فقال : ص 191
" والتين والزيتون " سورة التين 1 ، ووصفها بأنها مباركة فقال تعالى : " ... يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ... " سورة النور : 35 .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 4/ 308 : " والدهن في البلاد الحارة كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن ، وهو كالضروري لهم " .
158- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. " أخرجه المصنف في جامعه 1851 ، وابن ماجه في السنن 3319 .
قال أبوعيسى : وعبد الرزاق كان يضطرب في هذا الحديث فربما أسنده وربما أرسله .
159- حَدَّثَنَا السِّنْجِيُّ وَهُوَ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ السِّنْجِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عُمَرَ. " أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 19568 ، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروى موصولا ومرسلا ، وقد ساقه المصنف رحمه الله بالوجهين ، وهو يمعنى حديث أبي أسيد المتقدم ومقوله .
- قوله : " فربما أسنده ، وربما أرسله " ربما أسنده كما ساقه المصنف أولا ، وربما ص 192 .
أرسله كما في الطريق الأخرى ؛ حيث قال : " عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، ولم يذكر فيه عن عمر " .
160- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ ، أَوْ دُعِيَ لَهُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ. " أخرجه أحمد في المسند 12811 .
- قوله : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الدباء " أي : يحبه ويطيب له ، والدباء : القرع المعروف ، وهو من الإدام الذي يؤكل بالخبز .
161- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ دُبَّاءً يُقَطَّعُ فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا.
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَجَابِرٌ هُوَ جَابِرُ بْنُ طَارِقٍ وَيُقَالُ : ابْنُ أَبِي طَارِقٍ ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ إِلاَ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ ، وَأَبُو خَالِدٍ اسْمُهُ : سَعْدٌ. " أخرجه ابن ماجه في السنن 3304
قال أبوعيسى : وجابر هذا : هو جابر بن طارق ، ويقال : ابن أبي طارق ، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نعرف له إلا هذا الحديث الواحد ، وأبو خالد اسمه : سعد .
- حديث جابر بن طارق رضي الله عنه فيه أكل النبي صلى الله عليه وسلم للدباء ، وأنه من جملة الإدام الذي كان يأتدم به صلى الله عليه وسلم . ص193
162- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ ، قَالَ أَنَسٌ : فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ ، قَالَ أَنَسُ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. " أخرجه البخاري 5379 ،ومسلم 2041 ،والمصنف في جامعه 1850 .
- قوله : " إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه " فأجاب صلى الله عليه وسلم دعوته ، وذلك من كما تواضعه .
- قوله : " فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " أي : قدم له ، فمن حسن الضيافة تقريب الطعام للضيف ، كما ذكر الله تعالى عن إكرام إبراهيم الخليل عليه السلام لضيفانه ، فقال : " فراغ إلى أهله ، فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون * سورة الذاريات .
- قوله : " ومرقا فيه دباء وقديد " المرق : معروف ، وهو الذي يغمس فيه الخبز ؛ والدباء هو القرع ؛ والقديد هو اللحم الذي يقطع ، ويوضع عليه الملح ويجفف في الشمس ، ليبقى مدة طويلة .
- قوله : " فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء حوالي القصعة " يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبعه من ناحيته وجهته ، وليس المراد التتبع من جميع جهات القصعة ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : " كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام ! سم الله ، وكل بيمينك ، ص194
وكل مما يليك " متفق عليه " البخاري 5376 ، مسلم 2022 " .
ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل هذا الدباء مع خادمه أنس رضي الله عنه ، فكان يتتبع الدباء ؛ لأن هذا الطعام قدم له ولخادمه ، فلم يكن معهما أحد .
والقصعة إناء كبير مصنوع من الخشب يؤكل فيه ، وأوعية الطعام لها أسماء عديدة باعتبار أحجامها .
قال الثعالبي في ترتيب القصاع " فقه اللغة 1/ 963" : " أولها الفيحة وهي كالسكرجة ، ثم الصحيفة تشبع الرجل ، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصحفة تشبع الأربعة والخمسة ، ثم القصعة تشبع السبعة إلى العشرة ، ثم الجفنة وهي أكبرها ، وزعم بعضهم أن الدسيعة أكبرها " .
- قوله : " فلم أزل أحب الدباء من يومئذ " حبه رضي الله عنه للدباء من حبه للنبي صلى الله عليه وسلم .
163- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. " أخرجه البخاري 5431 ، ومسلم 1473 ، والمصنف في جامعه 1831 .
فيه حب النبي صلى الله عليه وسلم للحلواء ، وهي الطعام الحلو ، وفيه كذلك حبه صلى الله عليه وسلم للعسل ، وهو جملة الإدام الذي يؤتدم به . ص 195
164- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ وَمَا تَوَضَّأَ. " أخرجه المصنف في جامعه 1829 " .
- قوله : " قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا " أي : طرفا من شاة ، أو نحوها مشويا ، فهو من جملة إدامه صلى الله عليه وسلم .
- قوله : " فأكل منه ، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ " ، وكان آخر الأمرين من هديه صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار ، ويستثنى من ذلك لحم الإبل في أصح قولي أهل العلم .
165- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِوَاءً فِي الْمَسْجِدِ. " أخرجه ابن ماجه في السنن 3311 ، وفي إسناده ابن لهيعة ؛ وهو صدوق اختلط بعد احتراق كتبه . "
- الشواء : اللحم المشوي ، فهو يمعنى حديث أم سلمة المتقدم .
166- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : ضِفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأُتِيَ بِجَنْبٍ مَشْوِيٍّ ، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ ص 169
فَجَعَلَ يَحُزُّ ، فَحَزَّ لِي بِهَا مِنْهُ قَالَ : فَجَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ فَقَالَ : مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ ؟ . قَالَ : وَكَانَ شَارِبُهُ قَدْ وَفَى ، فَقَالَ لَهُ : أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ أَوْ قُصُّهُ عَلَى سِوَاكٍ. " أخرجه أبو داود في السنن 188 .
- قوله : " فأتي بجنب مشوي ، ثم أخذ الشفرة فجعل يحز " أي : أتي صلى الله عليه وسلم بطرف مشوي على النار ، فأخذ صلى الله عليه وسلم السكين وجعل يقطع به من اللحم .
- قوله : " فحز لي بها منه " أي : أنه صلى الله عليه وسلم من لطفه وكمال تواضعه ، وحسن معاشرته لأصحابه قطع للمغيرة رضي الله عنه .
- قوله :" فجاء بلال يؤذنه بالصلاة " أي : جاءه بلال رضي الله عنه يعلمه بالصلاة ، وأن وقتها قد جاء .
- قوله : " تربت يداه " أي : لصقت يداه بالتراب من الفقر ، وهذه الكلمة ـ ومثلها : ويحك ، وعقري ، وحلقي ونحوها ـ تقولها العرب ولا تقصد حقيقتها .
- قوله :" وكان شاربه قد وفى " أي : قد طال ، وهذا فيه التفات من المتكلم إلى الغيبة ، وقد جاء الحديث في مسند الإمام أحمد 18212" قال المغيرة : وكان شاربي " .
- قوله : " فقال له : أقصه لك على سواك أو قصه على سواك " أي : بأن يضع السواك تحت الشارب ، ثم يقص ما زاد بالمقص ، وفي هذا حث على تعاهد الشارب .
وقص الشارب من سنن الفطرة ، وإذا تبدلت فطرة الإنسان فإنه يستحسن القبيح فيطيل شاربه إطالة فاحشة ، ويستقبح الحسن فيحلق لحيته ، وإنما الجمال ص 197
والحسن في موافقة الشرع والفطرة ؛ بإعفاء اللحية وقص الشارب .
167- حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا. " أخرجه البخاري 4712 ،ومسلم 194 ، والمصنف في جامعه 1837 "
- قوله : " فرفع إليه الذراع " أي : قرب إليه صلى الله عليه وسلم الذراع وقدم له ، قوله : " وكانت تعجبه " أي : كان صلى الله عليه وسلم يحب الذراع لكونها أطيب ، ولأنها في مقدمة البدن ، وهي أسرع اللحم نضجا وأكثره فائدة .
قال القاضي عياض رحمه الله : " محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها ، مع زيادة لذتها ، وحلاوة مذاقها ، وبعدها عن مواضع الأذي " نقله النووي في شرحه لصحيح مسلم 3/ 65 . "
- قوله : " فنهس منها " النهس : هو أخذ اللحم ، وقطعه بمقدمة الأسنان ، بخلاف النهش ؛ فهو قطع اللحم وقضمه بالأسنان كلها .
168- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ زُهَيْرٍ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ قَالَ : وَسُمَّ فِي الذِّرَاعِ ، وَكَانَ يَرَى أَنَّ الْيَهُودَ سَمُّوهُ. " أخرجه أبو داود في السنن 3780 ، وفي إسناده زهير ، وهو مختلف فيه ،وأبو إسحاق السبيعي مدلس ؛ وقد عنعن ، وسعد بن عياض صدوق ، وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن لغيره . " ص 198
- قوله : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع " : تقدم نظيره في حديث أبي هريرة السابق .
- قوله : " وسم في الذراع ": أي وضع له السم فيه ، وكان ذلك في غزوة خيبر ، وهذا يدل على أنه عرف بحبه صلى الله عليه وسلم للذراع .
- قوله : " وكان يرى أن اليهود سموه " : وكان ابن مسعود رضي الله عنه يعتقد أن اليهود سموه ، أو يظن ذلك .
وجاءت دلائل كثيرة تدل على أن اليهود هم الذين وضعوا له السم ؛ فقد أوعزوا إلى امرأة يقال لها زينب بنت الحارث أن تصنع له طعاما ، وأن تضع له فيه السم يريدون قتله صلى الله عليه وسلم ، فسألت عن أحب اللحم إليه صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل : الذراع ،فوضعت السم في الشاة كاملة لكنها كثفت كميته في الذراع ، فلما نهس منها صلى الله عليه وسلم أنطق الله الذراع فأخبرته بأن فيها سما ، فلفظ صلى الله عليه وسلم ما كان في فمه .
ثم جاءت هذه المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمة ، فلما قررها بذلك أقرت ، وقالت : قلت : إن كنت ملكا استرحنا منك ، وإن كنت نبيا فالله سيحميك ، فلم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم بشئ ، وكان بشر بن البراء رضي الله عنه قد أكل من اللحم فمات ، فطلب أولياؤه بدمه فقتلت " ينظر سنن أبي داود 4512 وغيره "
وجاء في صحيح البخاري 4428 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كانت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه " ياعائشة ! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت ص 199
بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم " ، والأبهر : عرق متصل بالقلب ، إذا انقطع مات الإنسان ، فالله تعالى حمى نبيه صلى الله عليه وسلم من ذلك السم فلم يقتله ، وشاء الله أن يبقى أثر ما وضعه في فمه إلى أن مات .
169- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ : طَبَخْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِدْرًا وَقَدْ كَانَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ ثُمَّ قَالَ : نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ، فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ : نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي الذِّرَاعَ مَا دَعَوْتُ. " إسناده ضعيف ؛ فيه شهر بن حوشب ، لكن له شواهد ذكرها الشيخ الألباني في مختصر الشمائل ص 96 وصحح الحديث بها "
- قوله : " فناولته الذراع ثم قال : ناولني الذراع ، فناولته " ، ومعلوم أن الشاة لها ذراعان ، فلما قال صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة : " ناولني الذراع ، فقلت : يارسول الله ! وكم للشاة من ذراع " أي : ناولتك ذراعين ، والشاة ليس لها إلا ذراعان ، " فقال : والذي نفسي بيده لو سكت لناولتني الذراع ما دعوت " أي : لو ذهبت إلى القدر دون أن تسألي لناولتني الذراع ، ولو طلبتها منك مرارا , وهذا من آيات نبوته صلى الله عليه وسلم .
170- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، مِنْ بَنِي عَبَّادٍ يُقَالَ لَهُ : عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى ص 200
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ لاَ يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا ، وَكَانَ يَعْجَلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا نُضْجًا. " أخرجه المصنف في جامعه 1838 ، وقال : " هذا حديث حسن ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه " ، وإسناده ضعيف ؛ فيه فليح بن سليمان ، ليس بالقوي كما في " الميزان " 3/ 365 ، وعبد الوهاب بن يحيى قال عنه أبوحاتم : " شيخ " الجرح والتعديل " 6/ 365
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل إلى الذراع ؛ لأنه لم يكن يجد اللحم " إلا غبا " أي : إلا وقتا من بعد وقت ، ولأنها أسرع اللحم نضجا ، وظاهر هذا مخالف لما سبق من أن الذراع أعجب اللحم إليه صلى الله عليه وسلم .
ولعلها ـ إن صح الحديث ـ أرادت تنزيه مقامه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون له ميل لشئ من الملاذ ، والذي دلت عليه الأخبار أنه كان يحبه محبة طبيعية غريزية ، ولا محذور في تلك ؛ لأنها من كمال الخلقة ، كحبه للطيب ، والمحذور المنفي للكمال عناء النفس في ذلك وتألمها لفقده ، وهذا لم يكن عليه صلى الله عليه وسلم .
171- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخًا ، مِنْ فَهْمٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ أَطْيَبَ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ. " أخرجه ابن ماجه في السنن 3308 ، وإسناده ضعيف ؛ لأن فيه مبهما ، وهو الشيخ الذي من فهم ، وجاء في سنن ابن ماجه لما أورد الحديث قال : " وأظنه يسمى محمد ابن عبد الله " ، وهو مقبول لا يحتج بحديث إلا إذا توبع " ص 201
- أي : الذه ، يقال : طاب الشئ يطيب ؛ إذا كان لذيذا ، وقيل : معناه أحسن ، وقيل : أطهر ؛ لبعده عن مواضع الأذى ، والمراد أن ذلك من أطيبه ؛ إذ لحم الذراع أطيب منه بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويؤثره .
172- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَؤَمَّلِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ. " في إسناده سفيان بن وكيع ، قال في التقريب : " كان صدوقا ، إلا أنه ابتلي بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه ، فنصح فلم يقبل فسقط حديثه " ، وعبد الله بن المؤمل ضعيف .
173- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ ثَابِتٍ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أُمِّ هَانِئِ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَعِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فَقُلْتُ : لاَ إِلَّا خُبْزٌ يَابِسٌ وَخَلٌّ ، فَقَالَ : هَاتِي ، مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ. " أخرجه المصنف في جامعه 1841 ، وفي إسناده أبوحمزة الثمالي ، وهو ضعيف ، لكن الحديث صحيح بشواهده .
- أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، هي ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : " أعندك شئ " أي : هل عندك شئ من طعام ؟
- قولها : " لا إلا خبز يابس وخل " أي : ليس عندي شئ يؤكل إلا خبز يابس وخل .
- قوله : " ما أقفر بيت من أدم فيه خل " أي : إذا كان البيت يوجد فيه خل فليس خاليا من الإدام . ص 302
174- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. " أخرجه البخاري 5418 ، ومسلم 2431 ، والمصنف في جامعه 1834 " .
- فيه فضل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصحابية الجليلة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النساء . والثريد : هو الخبز يفت ، ويوضع عليه الإدام من مرق اللحم ونحوه فيصبح لينا ، وقد يكون معه لحم ، وقد يكون خاليا منه .
175- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو طُوَالَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. " أخرجه البخاري 5428 ، ومسلم 2446 ، والمصنف في جامعه 3887 " .
- تقدم في الذي قبله من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .
176- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ أَكْلِ ثَوْرِ أَقِطٍ ، ثُمَّ رَآهُ أَكَلَ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. " أخرجه أحمد في المسند 9050، 9049 "
- قوله : " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من أكل ثور أقط " أي : توضأ من أكل ص203
قطعة من الأقط ، وسميت القطعة من الأقط بهذا الاسم ؛ لأنها ثارت عن باقيها ، والأقط هو لبن جامد مستحجر ، وليس المراد بالوضوء هنا الوضوء الشرعي الذي يكون عند الحدث ، وإنما المراد به غسل الكفين ـ كما سيأتي بيان ذلك في الترجمة الآتية بعد هذه ـ ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم غسل كفيه من أكل ثور أقط ، " ثم رآه أكل من كتف شاة ، ثم صلى ولم يتوضأ " أي : الوضوء الشرعي ؛ لأن أكل لحم الشاة ليس بناقض للوضوء .
في هذا الحديث جمع بين معنيي الوضوء اللغوي والشرعي ؛ فالوضوء الأول للمعنى اللغوي ، والوضوء الثاني للمعنى الشرعي .
177- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ ، عَنِ ابْنِهِ وَهُوَ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ. " أخرجه المصنف في جامعه 1095 ، وأبوداود في السنن 3744 ، وابن ماجه في السنن 1909 "
- فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكح أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها ـ وكانت من السبي فأعتقها وجعل عتقها صداقها ـ ؛ أولم عليها بتمر وسويق ، وهو ما يصنع من دقيق الحنطة والشعير .
وجاء في الصحيح " البخاري 5169 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه " أنه صلى الله عليه وسلم أولم عليها بحيس ، وهو الطعام المتخذ من التمر والسمن ومعهما الأقط أو الدقيق . ص 204
178- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنِي فَائِدٌ ، مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَابْنَ عَبَّاسٍ ، وَابْنَ جَعْفَرٍ أَتَوْهَا فَقَالُوا لَهَا : اصْنَعِي لَنَا طَعَامًا مِمَّا كَانَ يُعْجِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْسِنُ أَكْلَهُ . فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ لاَ تَشْتَهِيهِ الْيَوْمَ قَالَ : بَلَى اصْنَعِيهِ لَنَا . قَالَ : فَقَامَتْ فَأَخَذَتْ مِنْ شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ، ثُمَّ جَعَلَتْهُ فِي قِدْرٍ ، وَصَبَّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَدَقَّتِ الْفُلْفُلَ وَالتَّوَابِلَ فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَتْ : هَذَا مِمَّا كَانَ يُعْجِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْسِنُ أَكْلَهُ. " في إسناده الفضيل بن سليمان وهو صدوق كثير الأوهام ؛ وعبيد الله بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لين الحديث " .
- أرادوا منها أن تصنع لهم طعاما مما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : " يابني ! لا تشتهيه اليوم " ؛ لأن ألوان الأطعمة قد توفرت وكثرت النعم ، فلما أصروا قامت فجاءت بشئ من الشعير فطحنته ، ثم جعلته في قدر ، وصبت عليه شيئا من زيت ، ودقت الفلفل والتوابل تحسينا لطعمه ومذاقه ، ثم قربته إليهم ، وأخبرتهم أنه كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومثل هذا الأكل لا يشتهيه الإنسان عند وفرة الطعام وتنوعه .
179- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِنَا فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً ، فَقَالَ : كَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّا نُحِبُّ اللَّحْمَ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ.
- في هذا الحديث بيان لحب النبي صلى الله عليه وسلم اللحم ، وفيه أيضا لطفه وحسن معاشرته ص 205
لأصحابه ومن يضيفه ، وإدخال السرور على المضيف بذكر مثل هذه الكلمات التي تؤنسه وتفرحه .
قوله : " وفي الحديث قصة " رواها الإمام أحمد " مسند الإمام أحمد 14245 " وغيره عن جابر رضي الله عنه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستعينه في دين كان على أبي ، قال : فقال : " آتنكم " ، قال : فرجعت فقلت للمرأة : لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه ، قال : فأتانا فذبحنا له داجنا كان لنا ، فقال : " يا جابر ! كأنكم عرفتم حبنا اللحم " ، قال : فلما خرج قالت له المرأة : صل علي وعلى زوجي ، أو صل علينا ، قال : فقال : " اللهم صل عليهم " ، قال : فقلت لها : أليس قد نهيتك ؟ قالت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل علينا ولا يدعو لنا ؟ !
180- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، أَنَّهُ سمعَ جَابِرًا ، قَالَ سُفْيَانُ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فذَبَحَتْ لَهُ شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا ، وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ ، فَأَكَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ وَصَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَأَتَتْهُ بِعُلاَلَةٍ مِنْ عُلاَلَةِ الشَّاةِ ، فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. " أخرجه المصنف في جامعه 80 "
- قوله : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه " ، في هذا الأسلوب بيان لكمال أدب الصحابة رضي الله عنهم في خطابهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيستعملون الألفاظ التي تشعر بأنهم أتباع ، وأنه صلى الله عليه وسلم المتبوع . ص 206
قوله : " فدخل على امرأة من الأنصار ، فذبحت له شاة فأكل منها ، وأتته بقناع من رطب " القناع : هو الطبق الذي يؤكل عليه الرطب ، ويصنع من خوص النخيل ، فقدمت له الشاة أولا فأكل صلى الله عليه وسلم منها ، ثم قدمت له الرطب فأكل منه ، " ثم توضأ للظهر وصلى " لا يلزم من ذلك أن يكون صلى الله عليه وسلم توضأ من أجل أكله من الشاة ، وإنما توضأ للحدث ، أو تجديدا للوضوء .
قوله : " ثم انصرف " أي : بعد صلاة الظهر ، قوله : " فأتته بعلالة من علالة الشاة " العلالة : البقية من الشئ ، فأتته ببقية من الشاة ، " فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ " ، هذا يبين أن وضوءه صلى الله عليه وسلم الأول لم يكن لأكله من الشاة ، وإلا لتوضأ مرة أخرى لصلاة العصر ، وهو يدل على أن الأكل من اللحوم لا يوجب الوضوء إلا لحم الإبل .
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل اللحم مرتين في يوم واحد ؛ مرة قبل صلاة الظهر ومرة بعدها ، وهو لا يعارض قول عائشة رضي الله عنها : " ما شبع من خبز ، ولحم مرتين في يوم " ؛ لآنه لا يلزم منه أنه صلى الله عليه وسلم أكل حتى شبع ، وإنما أكل قبل الظهر منه يسيرا ، فلما صلى قدمت له العلالة ، فأكل منه أيضا يسيرا .
181- حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ ، عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ ، قَالَتْ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : مَهْ يَا عَلِيُّ ، فَإِنَّكَ نَاقِهٌ ، قَالَتْ : فَجَلَسَ عَلِيٌّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ ، قَالَتْ : فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا ص207
، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّ هَذَا أَوْفَقُ لَكَ. " أخرجه المصنف في جامعه 2037 ، وقال : " حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث فليح " .
- أم المنذر رضي الله عنها قيل : أنها إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم ، قولها : " ولنا دوال معلقة "
دوال : جمع دالية ، وهو قنو الرطب والبلح ، كانوا يعلقون البسر ، ثم يأكلون ما أرطب منه .
- قولها : " فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي معه يأكل " أي : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يأكل من الرطب ، وكذلك علي رضي الله عنه يأكل منه ، " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : مه يا علي " أي : اكفف عن الأكل وتوقف عنه ، " فإنك ناقه " أي : فإنك حديث عهد بشفاء من مرض ، فالناقه هو الذي برئ من المرض حديثا ، ولم تعتدل بعد صحته .
- قولها : " فجلس علي والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل ، قالت : فجعلت لهم سلقا وشعيرا " السلق نبات معروف ، يشبه نوعا ما الجرجير ، يؤكل غالبا مطبوخا ، فطبخت رضي الله عنها الشعير مع السلق ، وقد ذكر أهل العلم أن الشعير إذا طبخ بالسلق ؛ فإنه نافع جدا للمريض ، ولا سيما في فترة النقاهة ، وبدء اعتدال الصحة .
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : من هذا فأصب ؛ فإن هذا أوفق لك " في هذا فائدة طبية ، وهي أن الأوفق للناقه أن يصنع له الشعير ، فإنه يجم الفؤاد ، ويريح النفس ، ويعين على استكمال الصحة ، وإذا ضم إليه السلق زادت فائدته ، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم مبارك فيه صلاح الإنسان في دينه ودنياه ، وفي جسمه وجميع أحواله .
182- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ ص208
طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَيَقُولُ : أَعِنْدَكِ غَدَاءٌ ؟ فَأَقُولُ : لاَ . قَالَتْ : فَيَقُولُ : إِنِّي صَائِمٌ . قَالَتْ : فَأَتَانِي يَوْمًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قُلْتُ : حَيْسٌ قَالَ : أَمَا إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا قَالَتْ : ثُمَّ أَكَلَ " أخرجه مسلم 1154 ، والمصنف في جامعه 734 " .
- قولها : " فيقول : أعندك غداء " الغداء هو ما يؤكل في أول النهار .
- قولها : " فأقول لا " أي : لا يوجد غداء ، " فيقول : إني صائم " يعقد نية الصيام من ذاك الوقت ، وصيام النفل لا يشترط فيه تبييت النية ، فإذا أصبح الإنسان ولم يأكل ولم يشرب ، ثم بدا له في أثناء النهار أن يمضي يومه صائما ؛ فله ذلك ، بخلاف صيام الفريضة ؛ فإنه يشترط فيه تبييت النية من الليل ، لما رواه الدار قطني في سننه 2213 وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر ؛ فلا صيام له "
- قولها : " فأتاني يوما ، فقلت : يا رسول الله ! إنه أهديت لي هدية قال : وما هي ؟ قلت : حيس " الحيس : هو التمر مع السمن والأقط ، أو مع السمن والدقيق .
- قوله : " أما إني أصبحت صائما قالت : ثم أكل " في الجملة السابقة بيان أنه صلى الله عليه وسلم يأتي فلا يجد طعاما ، ولم يكن نوى صياما فينويه في الحال ، أما هنا فقد نوى صياما ، ثم وجد طعاما بعد مجيئة إلى البيت فأفطر ، وفي هذا دليل على أن الصائم المتطوع له أن يفطر في أي وقت شاء من نهاره ؛ فهو أمير نفسه . ص209
183- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الأَعْوَرِ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ : هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ وَأَكَلَ. " أخرجه أبوداود في سننه 3260 ، وهو حديث ضعيف ؛ لجهالة يزيد بن أمية الأعور الراوي عن يوسف " .
- قوله : " أخذ كسرة من خبز الشعير " أي : قطعة من خبز الشعير يابسة ، قوله : " هذه إدام هذه وأكل " أي هذه التمرة إدام هذا الخبز .
184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ . " أخرجه أحمد في المسند 13300 " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَعْنِي مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ.
- ختم رحمه الله هذه الترجمة بهذا الحديث ، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان يعجبه الثفل " والثفل : فسره شيخ المصنف عبد الله ابن عبد الرحمن بأنه " ما بقي من الطعام " ، مثل ما يبقى في قعر القدر من لحم أو دقيق أو غير ذلك ، وهو يتميز بكونه أكثر نضجا ، وأحسن طعما . ص 210