باب ما جاء في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخاتم : حلقة ذات فص من غيرها ، فإن لم يكن لها فص فهي فتخة ، وهذه الترجمة معقودة لبيان ما يتعلق بالخاتم الذي كان في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث صفته ونقشه ، وغرض اتخاذه ، وغير ذلك .
ونبينا صلى الله عليه وسلم اتخذ الخاتم في وقت متأخر بعد هجرته ، اتخذه في أواخر السنة السادسة للهجرة عندما بدأ صلى الله عليه وسلم يكاتب الملوك بالدعوة إلى دين الله ـ تبارك وتعالى ـ ، فلما أراد أن يكتب إلى الروم ، قيل له : إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما ؛ فاتخذ حينئذ الخاتم . ولهذا فصل بعض أهل العلم في حكم اتخاذ الخاتم ؛ فقالوا : إذا كان لحاجة لكونه مثلا قاضيا ، أو مسؤولا لا يحتاج إلى الختم ؛ فهو بالنسبة إليه سنة ، وأما إذا كان عن غير حاجة ؛ فإنه يكون مباحا . " وقد أفرد جماعة من أهل العلم أجزاء في أحكام الخواتيم وأحاديثها : كالبيهقي في الجامع في الخاتم " ، وابن رجب في كتاب أحكام الخواتيم وما يتعلق بها " .
87- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ ص 128
يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا. " أخرجه مسلم 2094 ، والمصنف في جامعه 1739 " .
- قوله رضي الله عنه : " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق " الورق ـ بكسر الراء ـ هو الفضة ، فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة ، وهو يدل على جواز لبس الرجل الخاتم من الفضة .
- قوله : " وكان فصه حبشيا " الفص ؛ هو الموضع الذي ينقش عليه من الخاتم ، فكان فص خاتم النبي حبشيا ، أي : أنه حجر من الحبشة ، أو أنه حبشي في صفته ، وطريق نقشه .
88- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلاَ يَلْبَسُهُ.
قَالَ أَبُو عِيسَى : أَبُو بِشْرٍ اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ.
- هذا مخالف للأحاديث العديدة التي تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه ؛ فمن أهل العلم من سلك مسلك التوفيق بينه وبين تلك الأحاديث ، ومنهم من أعله بالشذوذ لما فيه من مخالفة .
وقيل : كان للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خاتم ؛ فيلبس بعضا دون بعض ، فيكون سبب عدم لبسه له أنه لم يكن فضة خالصة ، بل خالطه ما لا يجوز لبسه كالحديد مثلا .
جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم من حديد عليه فضة ص 129
فرمى به " ، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه " أحكام الخواتيم " : " ولعله هو الذي كان يختم به ولا يلبسه ، كما جاء في حديث ابن عمر الذي رواه الترمذي في الشمائل إن ثبت ، يشير إلى هذا الحديث ، فإن صحت هذه الزيادة " ولا يلبسه " ؛ تحمل على حال معينة .
89- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ هُوَ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ. " أخرجه البخاري 5870 ، والمصنف في جامعه 1740 " .
- قول أنس رضي الله عنه " فصه منه " يخالف قوله في حديثه المتقدم : " وكان فصه حبشيا " ، وجمع بعض أهل العلم بينهما بأنه حبشي في الصفة ، وصياغة نقشه ، وقيل في الجمع بينهما بالحمل على التعدد ، أي أنهما خاتمان : خاتم فصه حبشي ، وخاتم فصه منه ، أي : من فضة .
90- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْعَجَمَ لاَ يَقْبَلُونَ إِلَّا كِتَابًا عَلَيْهِ خَاتَمٌ ، فَاصْطَنَعَ خَاتَمًا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي كَفِّهِ. " أخرجه البخاري 5875 ، ومسلم 2092 ، والمصنف في جامعه 2718 "
- فيه بيان سبب اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم ، وأنه إنما اتخذه لما أراد مكاتبة ص 130
الملوك وذلك في أواخر السنة السادسة حين رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية ؛ فقيل له بأن ملوك العجم وزعماءهم لا يقبلون خطابا إلا إذا كان عليه ختم ممن أرسله ، والمراد بالعجم غير العرب ، والختم هو الطبع والمهر .
91- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ ثُمَامَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُحَمَّدٌ سَطْرٌ ، وَرَسُولٌ سَطْرٌ ، وَاللَّهُ سَطْرٌ. " أخرجه البخاري 3106 ، والمصنف في جامعه 1747 " .
- فيه أن خاتمه صلى الله عليه وسلم كان مكونا من ثلاث كلمات ، وهي : محمد ، رسول ، الله ، وهذه الكلمات لم تكتب في سطر واحد بل في ثلاثة أسطر ، محمد : سطر ، ورسول : سطر ، والله : سطر " ولعل ذلك ـ والله تعالى أعلم ـ لكون الخاتم لا يحتمل أن تكتب الكلمات الثلاث في سطر واحد .
وظاهر الحديث أن السطر الأول من الأعلى : محمد ، والثاني : رسول ، والثالث : الله " قال الحافظ في الفتح : وأما قول بعض الشيوخ أن كتابته كانت من أسفل إلى فوق ، يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ، ومحمد في أسفلها ؛ فلم أر التصريح بذلك في شئ من الأحاديث ، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك ؛ فإنه قال فيها : محمد : سطر ، والسطر الثاني : رسول ، والسطر الثالث : الله " ، وكان هذا نقشه ، ولم يكن عليه شئ آخر .
92- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَبُو عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى
ص 131
وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةٌ ، وَنُقِشَ فِيهِ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
- قوله : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى ... " أي : أراد أن يكتب ، كما بينت ذلك الرواية السابقة : " لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب " .
- قوله : " فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما " أي : أمر أن يصاغ له خاتم ، قوله : " حلقته فضة " أي : متخذ من فضة ، قوله : " ونقش فيه : محمد رسول الله " كتبت في ثلاثة أسطر ، كما جاء مصرحا به في الرواية المتقدمة .
93- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ. " أخرجه المصنف في جامعه 1746 وقال : " هذا حديث حسن غريب " وأبوداود في السنن 19 وقال : " هذا حديث منكر ط ، وابن ماجه في السنن " 303 "
- فيه بيان أنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد دخول الخلاء لقضاء حاجته ينزع الخاتم ، فلا يكون في يده صلى الله عليه وسلم وقت قضائه للحاجة ؛ تنزيها لما فيه ذكر الله عن مواطن الخبث .
94- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ص 132
، فَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ، وَيَدِ عُمَرَ ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ نَقْشُهُ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. " أخرجه البخاري 5873 ومسلم 2091 ."
- بئر أريس : بئر بحديقة قريبة من مسجد قباء ، وكان عثمان رضي الله عنه على البئر وأخذ يحرك الخاتم في يده فسقط منه في البئر ، فاختلف عثمان رضي الله عنه مع أصحابه ثلاثة أيام ينزحون البئر ، فلم يجدوه .
والقول بوجود خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن المتأخر دعوى تفتقر إلى برهان , ومثل هذا لا يقبل إلا بأدلة ثابتة ، وبراهين واضحة . ص 133